
حسين زلغوط
خاص_ “رأي سياسي”:

يدخل الوضع في لبنان مرحلة شديدة التعقيد والخطورة مع اقتراب نهاية العام، حيث يتقاطع سباق محموم بين الدبلوماسية ومحاولات احتواء التصعيد، وبين ضغط إسرائيلي متواصل يلوّح بتوسيع المواجهة مع لبنان.
وفي قلب هذا المشهد، يبرز الدور الأميركي كعامل كبح نسبي، يسعى إلى شراء الوقت ومنع الانزلاق نحو حرب كبرى، وسط حديث متزايد عن إمكانية تمديد مهلة تسليم السلاح لمدة شهرين إضافيين، في محاولة لفتح نافذة سياسية قبل فوات الأوان.
التصعيد الإسرائيلي الأخير لا يمكن فصله عن سياق إقليمي أوسع، يتسم بانعدام الاستقرار وتعدد الجبهات. فإسرائيل، التي تعيش هاجس الأمن على حدودها الشمالية، تحاول فرض وقائع جديدة عبر الضغط العسكري والنفسي، مستندة إلى معادلة الردع والتهديد، في وقت تدرك فيه أن أي حرب واسعة مع لبنان ستكون مكلفة ماليا وغير مضمونة النتائج. لذلك، يبدو التصعيد محسوباً بدقة، يهدف إلى رفع سقف الضغوط لا أكثر، من دون تجاوز الخطوط التي قد تشعل مواجهة شاملة.
في المقابل، يجد لبنان نفسه في موقع بالغ الهشاشة، فالانقسام السياسي، وضعف مؤسسات الدولة، كلها عوامل تجعل البلاد عاجزة عن تحمّل تبعات حرب جديدة. هذا الواقع يدفع الحكومة اللبنانية إلى الرهان على الدبلوماسية كخيار وحيد، لتفادي الأسوأ.
من هنا، يمكن فهم الترحيب الضمني بأي مسعى يخفف منسوب التوتر، حتى لو كان مؤقتاً أو هشاً.
والسؤال اين الدور الأميركي في هذا السياق؟. الولايات المتحدة، وإن كانت منحازة استراتيجياً لإسرائيل، إلا أنها لا تبدو راغبة في انفجار الجبهة اللبنانية في هذا التوقيت. حساباتها تتجاوز حدود لبنان، وتشمل الاستقرار الإقليمي، وأمن الملاحة، وأسعار الطاقة، وتداعيات أي حرب على ملفات دولية أكثر إلحاحاً. لذلك، يمارس الأميركي ضغطاً واضحاً باتجاه التروي، محاولاً إقناع الأطراف كافة بأن الوقت لا يزال متاحاً لتسوية مرحلية، أو على الأقل لتجميد التصعيد.
في هذا الإطار، يندرج الحديث عن تمديد مهلة تسليم السلاح شهرين إضافيين. وهذا الطرح الذي لم يتبلور شكله بعد، وإن بدا تقنياً في ظاهره، إلا أنه يحمل أبعاداً سياسية عميقة. فهو يعكس إدراكاً دولياً بأن فرض مهل ضيقة في بلد معقد كلبنان قد يؤدي إلى نتائج عكسية. كما أنه يمنح ” حزب الله” هامشاً إضافياً للمناورة، سواء لإعادة ترتيب أوراقه أو لامتصاص الضغوط، من دون الاضطرار إلى قرارات صدامية.
غير أن تمديد المهلة لا يعني بالضرورة حل الأزمة. بل قد يكون مجرد تأجيل للمواجهة، أو محاولة لإدارة الوقت بانتظار تبدل المعطيات الإقليمية. فالرهان على عامل الزمن سلاح ذو حدين: قد يفتح نافذة للحلول، وفي نفس الوقت قد يتحول إلى عبء إضافي إذا استُهلك من دون خطوات عملية. وهنا تكمن خطورة المرحلة، إذ إن أي خطأ في الحسابات، أو أي تطور ميداني مفاجئ، قد يقلب الطاولة ويعيد الجميع إلى مربع التصعيد.
لا شك أن لبنان، يقف الآن، على خط تماس دقيق بين منطق القوة ومنطق التسوية. الدبلوماسية تمنحه فرصة، لكنها ليست ضمانة. والتصعيد يظل احتمالاً قائماً، مهما بدت محاولات التهدئة جادة. بين هذين الخيارين، يضيق هامش الحركة، وتزداد الحاجة إلى قرار عقلاني يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
إن الأيام الفاصلة عن نهاية العام ستكون حاسمة. فإما أن يُستثمر الوقت الإضافي في تثبيت مسار تهدئة مستدامة، أو أن يتحول إلى عد تنازلي لمواجهة لا يريدها أحد، لكن قد يجد الجميع أنفسهم فيها فجأة.

