ما إن انتهى رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون من صلاته عند قاعدة حائط البراق، التف إلى الحضور مشيراً إلى أن زيارته تتزامن مع إحياء اليهود لذكرى دينية تتمثل في تدمير “الهيكل القديم” المزعوم. وبحضور مسؤولين ورجال دين إسرائيليين، قال النائب الجمهوري من ولاية لويزيانا “دعاؤنا أن تقف أميركا دائماً إلى جانب إسرائيل، ومن أجل الحفاظ على القدس وسلامها”.
بالنسبة لجونسون، المسيحي المتدين، كانت اللحظة ذات دلالة رمزية عميقة، وتعد تعهداً علنياً بالتضامن مع الدولة العبرية في واحدة من أكثر مناسباتها الدينية حزناً بالنسبة لليهود.
هذه الزيارة عند حائط البراق، خلال أغسطس الجاري، جاءت على وقع موسم صيفي تُسوَّق فيه لنواب الكونجرس “زيارات تعليمية” إلى إسرائيل. وعلى مسار مواز، نظمت الجمعية الأميركية الإسرائيلية للتعليم USIEA، وهي منظمة غير ربحية ذات خطاب “يهودي – مسيحي” تركز برامجها على ما تسميه “الجغرافيا السياسية ليهودا والسامرة (الضفة الغربية)”، وتُنظّم لقاءات ميدانية تُبرز منظور الأمن الإسرائيلي في تلك المناطق.
وبعد ساعات من الصلاة عند الحائط، بات جونسون، أرفع مسؤول أميركي يزور مستوطنة إسرائيلية؛ ففي أريئيل قال أمام حشد من مسؤولين ومستوطنين: “يهودا والسامرة هما خط الدفاع الأول لدولة إسرائيل ويجب أن تبقيا جزءاً لا يتجزأ منها… حتى لو كان العالم يعتقد خلاف ذلك، نحن نقف معكم”.
وباستخدامه المصطلح التوراتي “يهودا والسامرة” للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة، تبنّى فعلياً الموقف الإسرائيلي القاضي بالسيادة الدائمة على الأرض المحتلة. وهكذا انتقلت “الزيارة التعليمية” سريعاً من مشهد الدعاء عند الحائط، إلى رسالة سياسية صريحة على الأرض.
رحلات ممولة
لم تكن رحلة جونسون حادثة معزولة، بل جزءاً من تقليد طويل الأمد يتمثل في الجولات التي يقوم بها أعضاء الكونجرس إلى إسرائيل، غالباً بتمويل وتنظيم من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل ذات نفوذ كبير.
هذه الرحلات، التي تتكرر كثيراً خلال عطلات الشتاء والصيف البرلمانية، أصبحت بمثابة “طقس عبور” لكثير من النواب الأميركيين الجدد لتجسد عمق الروابط بين السياسيين الأميركيين وحلفاء إسرائيل في واشنطن.
في كل عام، وعادة خلال عطلة الصيف في أغسطس أو عطلة الشتاء، يحزم عشرات من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين حقائبهم متوجهين إلى القدس في رحلات ترعاها منظمات مؤيدة لإسرائيل.
وتُعد لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك” AIPAC، وهي أقوى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، من أبرز المنظمين. فخلال الصيف الجاري ، رتبت “أيباك” جولات لـ”عشرات… من الديمقراطيين والجمهوريين” خلال عطلة أغسطس البرلمانية.
وفي أوائل الشهر الجاري، وبينما كان جونسون في رحلته الخاصة، كان عشرات النواب الآخرين في إسرائيل ضمن وفود مرتبطة بـ”أيباك” أو رحلات مماثلة.
وغالباً ما تكون هذه الوفود كبيرة وحزبية منفصلة، على سبيل المثال، ضم وفد هذا الشهر وفداً ديمقراطياً، بينما سافر وفد آخر من الجمهوريين في رحلة موازية، وعادة ما يسافر كل حزب على حدة، في مواعيد متقاربة.
وبحسب Jewish Insider، يزور إسرائيل وفد ديمقراطي من 14 نائباً ضمن رحلة تنظّمها AIEF الذراع الخيري لـ”أيباك”، بينهم 11 نائباً في ولايتهم الأولى، أي نحو ثلث الديمقراطيين الجدد (33 عضواً) هذا العام.
“ثغرة أيباك”
القانون الأميركي يمنع جماعات الضغط، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك”، من دفع تكاليف سفر أعضاء الكونجرس بشكل مباشر. ففي عام 2007، شدد الكونجرس قواعد الأخلاقيات ليحظر على النواب قبول رحلات كهدايا من جماعات الضغط، بهدف الحد من تأثيرها المباشر على صانعي القرار.
غير أن “أيباك” وجدت طريقة قانونية للالتفاف على هذا الحظر. فقد أنشأت ذراعاً خيرية معفاة من الضرائب تُعرف باسم “المؤسسة التعليمية الأميركية الإسرائيلية” (AIEF)، ومهمتها المعلنة تنظيم رحلات “تعليمية” للنواب. وبحكم كونها مسجلة كمنظمة غير ربحية وفق البند 501 (c)(3) من القانون الأميركي، يحق لها تمويل السفر دون أن تُعتبر مخالفة لقوانين الهدايا الموجهة للمشرعين.
وبذلك استفادت “أيباك” من الاستثناء الخاص في قانون الأخلاقيات، عُرف إعلامياً باسم “ثغرة أيباك”، يسمح لمثل هذه المؤسسات غير الربحية بدفع التكاليف التي لا تستطيع جماعات الضغط دفعها مباشرة. لذا عملياً، تعمل AIEF كذراع سفر لـ”أيباك”، بتمويل من نفس شبكة المتبرعين ولخدمة نفس الأجندة السياسية.
وبناء على تلك الثغرة، يمكن أن تستمر الرحلات لمدة أسبوع أو أكثر، على نفقة متبرعي “أيباك”، دون خرق حظر الهدايا المفروض على الكونجرس.
في حديثه مع “الشرق”، ينظر كيفن بيشوب، الذي شغل منصب مدير الاتصالات للسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بين 2003 و2024 وشارك في رحلات الكونجرس إلى إسرائيل، إيجابياً إلى هذه الجولات التي يسميها “تعليمية”، معتبراً أنها “لا تُقدَّر بثمن” في تعريف موظفي الكونجرس بتعقيدات المنطقة.
لكنّ منتقدين يرونها رحلات فاخرة تشمل السفر على الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال،والإقامة في فنادق فاخرة مثل King David وDavid Citadel، وهو ما وثقته إفصاحات مجلس النواب وتصريحات لأعضاء بالكونجرس.
ويقول جوش بول، الشريك المؤسِّس ومدير مركز الأبحاث A New Policy، ومقرّه واشنطن، لموقع Responsible Statecraft، إن الرحلات التي ترعاها “أيباك”، “تميل دائماً لصالح السردية الإسرائيلية وتُهمِّش الأصوات الفلسطينية”.
ويضيف المسؤول الأميركي السابق، الذي استقال بعد الحرب الإسرائيلية على غزة: “من المهم الإشارة إلى أن الزيارة محلّ النقاش ليست CODEL (رحلة رسمية ترتّبها وزارة الخارجية)، بل NODEL (رحلة ممولة بالكامل عبر جهة غير ربحية، مع سفر على الدرجة الأولى وإقامة في فنادق فاخرة) تُصمَّم لعرض جانب واحد من القضية”.
هذه المفارقة بين “التعليم” و”الدعاية” تختصر الجدل المحيط بهذه الرحلات.
إسرائيل.. وجهة المشرعين الأميركيين الأولى
على مدار العقد الماضي، أصبحت إسرائيل الوجهة الأولى لرحلات الكونجرس الممولة من القطاع الخاص. فمنذ عام 2012، شكّلت الرحلات إلى إسرائيل أكثر من ربع جميع الرحلات الخارجية التي شارك فيها أعضاء مجلس النواب أو موظفوهم، وهي نسبة تفوق بكثير أي دولة أخرى. وحوالي 75% من هذه الرحلات إلى إسرائيل كانت بتمويل من الذراع غير الربحية لـ”أيباك”، وهي المؤسسة التعليمية الأميركية الإسرائيلية (AIEF).
إجمالاً، وبحسب دراسةٍ لمركز هوارد للصحافة الاستقصائية بجامعة ميريلاند، نُشرت العام الماضي بالشراكة مع مجلة “بوليتيكو”، أنفقت AIEF ما لا يقل عن 10 ملايين دولار على رحلات الكونجرس بين عامي 2012 و2023، ما مكّنها من تمويل مئات الرحلات، وإرسال نحو نصف أعضاء مجلس النواب الشاغرين لمناصبهم إلى إسرائيل خلال تلك الفترة.
وتفاخر رئيس مجلس النواب الأميركي السابق، كيفن مكارثي، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” قبل أيام، بحجم الوفود التي قادها من الكونجرس إلى إسرائيل، قائلاً إنه في بعض الأحيان كان ما يصل إلى 10% من أعضاء الكونجرس مجتمعين هناك في الوقت نفسه.
وتستمر الجولة المعتادة حوالي أسبوع، وخلالها يُنقل المشرعين، وغالباً ما يكونون نواباً جدد، يفتقرون إلى خبرة واسعة في السياسة الخارجية، بين أبرز المواقع الإسرائيلية والمكاتب الحكومية.
وقد يبدأ البرنامج في القدس، بلقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو مسؤولين كبار آخرين، وزيارة نصب “ياد فاشيم” التذكاري لضحايا الهولوكوست، وتلقي إحاطات من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي. أحياناً تشمل الجولات زيارة الحدود الشمالية لإسرائيل، أو تفقد أنظمة الدفاع الصاروخي مثل “القبة الحديدية”، أو حتى زيارة قاعدة جوية.
ومؤخراً، أصبحت الجداول تتضمن محطات تسلط الضوء على المخاوف و”الصدمات الإسرائيلية”، إذ زارت مجموعة موقع هجوم استهدفته حركة “حماس” في7 أكتوبر 2023، والتقت بعائلات إسرائيليين محتجزين كرهائن في غزة. ويقول المنظمون، إن الهدف هو منح المشرعين الأميركيين فهماً “مباشراً وعاطفياً” لما يصفونه بمشكلات إسرائيل الأمنية. وتدافع “أيباك” بشدة عن هذه الرحلات باعتبارها تعليمية.
وفي تبريرها الأحدث، قدمت “أيباك” مسوغاً لما تصفه بـ”زيارات تعليمية” مع ذراعها الخيرية AIEF، قائلة إن وفدي الديمقراطيين والجمهوريين يزوران إسرائيل لـ”الاطلاع مباشرة على تبعات 7 أكتوبر، والتهديد على الجبهة الشمالية، وتلقّي إحاطات حصرية عن التهديدات الإستراتيجية، وجولات على الحدود وبرامج الأمن المشتركة، ولقاءات مع كبار المسؤولين وأُسر رهائن”؛ وهي لغة تُظهِر التركيز الأمني السياسي للرحلات هذا العام.
وهذا يتسق مع دفاعها السابق عام 2024؛ إذ أكد المتحدث باسمها مارشال ويتمَن، في بيان مكتوب رُدّ به على دراسة “مركز هوارد” المنشورة في “بوليتيكو”، أن رحلاتAIEF هدفها “تثقيف قادة الحزبين” عبر تجارب مباشرة وإحاطات خبراء ولقاءات مع طيف واسع من القادة الإسرائيليين، وأنها “مركَّزة على السياسات” وتمنح بعد 7 أكتوبر “فهماً أعمق للتهديدات” التي تواجهها إسرائيل من “وكلاء إيران”.
ويؤكد كيفن بيشوب الخبير الاستراتيجي الجمهوري لـ”الشرق”، أن الرحلات “توفر مشاهدة ميدانية تمنح منظوراً لا توفّره الملفات المكتوبة” وأحياناً، بحسب بيشوب، تكون “الجولات هي السبيل الأوضح لفهم القضايا المعقّدة بعيداً عن الإحاطات الرسمية”. ويقدم خلاصة عن تجربته قائلاً “بالنسبة لي، كانت هذه الرحلات تعليمية بالمعنى العملي للكلمة”.
كثير من المشرعين يكررون هذا المنطق. النائب الديمقراطي جلين آيفي (عن ولاية ماريلاند)، الذي شارك في رحلتين برعاية “أيباك” يقول إنه “من المفيد أن ترى الأمور بنفسك”. وأضاف في تصريحات صحفية أنه في إحدى الرحلات، كان لزيارة “موقع مجزرة والتحدث مع الناجين وقع شديد الحزن”.
ويقول المؤيدون لمثل هذه الرحلات، إن هذه التجارب المكثفة تترك أثراً عميقاً، غالباً ما يترجم إلى دعم سياسي ثابت لإسرائيل في واشنطن.
دعاية أحادية الجانب
رغم تبريرات “أيباك”، لطالما تعرضت هذه الرحلات لانتقادات من هيئات الرقابة الأخلاقية، ونشطاء مؤيدين للفلسطينيين، وحتى بعض المشرعين أنفسهم.
ويقول المنتقدون ومنهم جوزيف سيرينسيوني المستشار السابق في الخارجية الأميركية، إن هذه الجولات ليست سوى رحلات ضغط سياسي مُعدة بعناية، لإظهار جانب واحد فقط من الصراع، للمسؤولين الأميركيين. وغالباً ما تُصمَّم البرامج لتعكس وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، مع تهميش أو إقصاء كامل للرواية الفلسطينية.
ويعتبر جوزيف سيرينسيوني في حديث مع “الشرق”، أن “زيارات أعضاء الكونجرس هذا العام أكثر أهمية من العام الماضي، لأنها تُظهر استمرار الدعم الأميركي لسياسات إسرائيل الحربية، حتى مع أن هذه السياسات تجوّع مليونَي شخص وتدمّر غزة بالكامل. إنها انتصار سياسي لنتنياهو”.
سيرينسيوني الذي زار إسرائيل عشرات المرات قال لـ”الشرق”، إنه لم يفهم “قسوة ولا إنسانية حكم إسرائيل على سبعة ملايين فلسطيني إلا عندما زرت الخليل المحتلة”.
وعلى النسق ذاته، يقول النائب السابق، آندي ليفين (ديمقراطي عن ولاية ميشيجان)، وهو مشرع يهودي تقدمي عُرف بانتقاده الصريح لنفوذ “أيباك”: “من يحدد إطار النقاش، يربح الجدل”.
وأوضح ليفين، أن الكثير من جداول هذه الرحلات، تضخم روايات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، وتترك المشاركين مع “فهم أحادي الجانب” للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكان ليفين خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في عام 2022، بعدما استهدفته أموال “أيباك”، بحسب اتهامه للمجموعة، في سباق ضخّت فيه جماعات مؤيدة لإسرائيل ملايين الدولارات للإطاحة بالنائب اليهودي التقدمي.
في عام 2019، تقدمت منظمة “كود بينك” بشكوى رسمية، إلى مكتب أخلاقيات الكونجرس، احتجاجاً على الرحلات التي تموّلها “أيباك”، معتبرة أنها تستغل ثغرة في قانون النزاهة القيادية والحكومة المفتوحة لعام 2007 للالتفاف على حظر تمويل سفر أعضاء الكونجرس من قبل جماعات الضغط.
وأكدت المنظمة، أن هذه الرحلات تُصمَّم لعرض الرواية الإسرائيلية فقط، مع سيطرة تامة على ما يراه المشرعون خلال زيارتهم.
واستشهدت “كود بينك” برحلة الكونجرس في ذلك العام، لكن الزيارة، بحسب المنظمة، تجنبت المناطق الفلسطينية الأكثر توتراً مثل مدينة الخليل، حيث الحواجز العسكرية والشوارع المقسّمة بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، على الرغم من أن الوفد الأميركي التقى خلالها برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
واعتبرت المنظمة، أن استبعاد مثل هذه المحطات يكشف الطبيعة المنحازة لهذه الجولات. كما وُجهت انتقادات لتوقيت هذه الرحلات، إذ غالباً ما تجري حين يكون الكونجرس في عطلة، والمفترض، بحسب المنتقدين، أن يقضي الأعضاء هذا الوقت في لقاء ناخبيهم.
وقالت أنيل شاين، من معهد كوينسي في واشنطن، لموقع responsiblestatecraft، إن “مهزلة سفر أعضاء الكونجرس إلى إسرائيل خلال عطلة أغسطس، تُظهر مدى تغلغل قبضة جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل على السياسيين الأميركيين، وبالأخص في أوقات الأزمات، إذ يرى المنتقدون أن سفر قادة الكونجرس لالتقاط صور مبتسمة في تل أبيب أو عند حائط البراق قد يبدو منفصلاً عن الواقع.
وخلال زيارة جونسون الأخيرة، لاحظت، ميديا بنجامين، التي أسست منظمة “كود بينك” المناهضة للحروب، أن وفد الكونجرس أثنى على الجيش الإسرائيلي ولم يذكر شيئاً عن استمرار عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وأضافت عبر منصة “إكس”: “هم لا يخدموننا، إنهم يخدمون أيباك”.
ولم يعد الغضب مقتصراً على النشطاء خارج المؤسسة السياسية الأميركية. ففي السنوات الأخيرة، بدأ عدد صغير لكنه صاخب من المشرعين الأميركيين بمقاطعة رحلات “أيباك” أو التشكيك في أثرها. فعندما نظمت “أيباك” جولات التعريف للأعضاء الجدد في صيف 2019، رفض عدد من النواب التقدميين المشاركة، ومن بينهم النائبة الديمقراطية عن نيويورك ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وهي الرمز البارز في الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، ومن أبرز المنتقدين للدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل. وبدلاً السفر على متن طائرة “أيباك”، قالت كورتيز، إنها تفضل البقاء في دائرتها الانتخابية، وأشارت إلى أنها قد تزور فلسطين لاحقاً على نفقتها الخاصة.
كما شكّل الديمقراطيون اليساريون، تحالفاً مناهضا لـ”أيباك” داخل الولايات المتحدة، لحث أعضاء الكونجرس على “تجاوز الرحلة” #SkipTheTrip وعدم منح غطاء سياسي ضمني للسياسات الإسرائيلية التي يعارضونها.
ويزداد التدقيق في هذه الرحلات؛ ففي العام الجاري، وفي ظل تصاعد الغضب من الحرب الإسرائيلية على غزة والانتهاكات والاقتحامات في الضفة الغربية، دعت منظمات حقوقية مثل المعهد العربي الأميركي، النواب الأميركيين الجدد، إلى رفض الرحلات الممولة من “أيباك” للقاء من سماهم “مجرمي حرب”.
انتقاد جمهوري نادر
ورغم النفوذ التقليدي لـ”أيباك”، في الكابيتول هيل وفي داخل الصف الجمهوري تحديداً، ارتفع في الأسابيع الأخيرة منسوب الانتقاد من داخل الجمهوريين أنفسهم. فقد شنّت النائبة مارجوري تايلور جرين، وهي من الجناح المتشدد في حرحة “ماجا” (اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى)، هجوماً حاداً على “أيباك”، متهمة جماعة الضغط، بتمويل “رحلات فاخرة لأعضاء الكونجرس” إلى إسرائيل.
وقالت لشبكة OAN، إنه على “أيباك” أن “أن تسجّل نفسها كجماعة ضغط أجنبية”، مضيفة أن المنظمة “تنتهك القوانين الأميركية عبر التبرع للمشرّعين وأخذهم في رحلات ممولة بالكامل إلى إسرائيل”.
وأشارت جرين، إلى أن “أيباك” رتبت هذا العام سفر جميع الأعضاء الجدد تقريباً، حيث التقى هؤلاء برئيس الوزراء الإسرائيلي، في إطار هذه الجولات. ونشرت جرين في وقت سابق صورة لافتة على باب مكتبها كُتب عليها “No Foreign Lobbying”.
وبالتوازي مع تلك الانتقادات، اتّهم النائب الجمهوري توماس ماسي، “أيباك”، بتمويل حملة إعلانية بقيمة 300 ألف دولار، للضغط على فرص إعادة انتخابه، بعد تكرار مطالبته بخضوع جماعة الضغط لقانون تسجيل العملاء الأجانب FARA.
جولات بديلة من “جي ستريت”
ليست كل الرحلات إلى إسرائيل متشابهة. ففي رد على برنامج “أيباك” المهيمن منذ سنوات، حاولت مجموعات مؤيدة لإسرائيل لكن ذات توجهات أكثر اعتدالاً وتقدمية أن تقدم بدائل لوفود الكونجرس، تتيح صورة أشمل عن الصراع. في مقدمة هذه المجموعات تأتي منظمة “جي ستريت” J Street، وهي منظمة ضغط ليبرالية أُسست عام 2008 كقوة وازنة لـ”أيباك”.
تقدم “جي ستريت” نفسها باعتبارها “مؤيدة لإسرائيل ومؤيدة للسلام”، وتدعم صراحة حل الدولتين وإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. في السنوات الأخيرة، نظمت “جي ستريت” رحلات تقصي حقائق خاصة بها لأعضاء الكونجرس الأميركي، بجدول أعمال مختلف بشكل ملحوظ عن ذاك الذي تقدمه “أيباك”.
ففي رحلاتها، يقسم المشرعون وقتهم بين إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، حيث يلتقون بكلٍّ من القادة والنشطاء الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنهم أيضاً يزورون بلدات فلسطينية ويجتمعون بشطاء حقوقيين، في سياق الاطلاع على الأوضاع الميدانية التي تميل رحلات “أيباك” إلى تجنبها.
وفي بيان يعود إلى أبريل 2023، كتب رئيس “جي ستريت”، جيريمي بن عامي: “نأخذهم في جولات متوازنة ودقيقة لإسرائيل والضفة الغربية، ليتعرفوا على الواقع المؤلم على الأرض بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، في مقابل ما قيل لهم من مجموعات على بُعد ستة آلاف ميل”.
وبحسب بن عامي، “يصاب كثير من المشرعين بالذهول”، حين يرون عن قرب ما يحصل على الأرض.
ويبرز اختلاف أسلوبي “أيباك” و”جي ستريت”، معركة أعمق حول السياسة والرأي العام في الولايات المتحدة. إذ تُظهر إفصاحات لجنة أخلاقيات مجلس النواب وبرامج الرحلات المنشورة والفحص المقارن في دراسة مركز هوارد أنّ مسار AIEF في 2024 يتركّز في القدس وتل أبيب، ويضمّ إحاطات أمنية رفيعة، مع حضورٍ محدود للميدان الفلسطيني؛ مقابل مسار J Street في فبراير 2023، الذي يدمج لقاءات رسمية إسرائيلية مع زيارات موسّعة للضفة الغربية (رام الله، الخليل) وجلسات مع نشطاء فلسطينيين و أفراد في المجتمع مدني، ومحطات لدى مستوطنين ومنظمات أممية، على نحوٍ يوسّع نطاق الأصوات المعروضة أمام المشرّعين.
وعلى الرغم من أنّ “أيباك” ما تزال اللاعب الأكثر نفوذاً داخل معسكر الضغط المؤيّد لإسرائيل في واشنطن، تشير “بوليتيكو” إلى صعود منظمة “جي ستريت” الليبرالية (التي بدأت تنظيم رحلات تقصّي حقائق للمشرّعين منذ 2010)، إذ أصبحت ثاني أكبر جهة راعية لرحلات الكونجرس إلى إسرائيل في الفترة بين 2012 إلى 2023، وإن ظلّ حجم رحلاتها أقل بنحو سبعة أضعاف من برنامج “أيباك”. كما حاولت “أيباك” الحفاظ على موقعها، بتصوير “جي ستريت” كجهة “معادية لإسرائيل”، وهو توصيف ترفضه “جي ستريت”.
وفي سياق مقارنات مباشرة قدّمها نواب أميركيون لـ”بوليتيكو”، قارن النائب جارِد هوفمان (ديمقراطي عن كاليفورنيا) بين تجربته مع رحلات “أيباك” في عام 2013 ورحلة لاحقة مع J Street، مشيراً إلى أن الأولى كانت أقرب إلى مرافعة مؤيِّدة لإسرائيل، بينما ركّزت الثانية على الاستماع والتعلّم وإدراج أصوات فلسطينية أوسع.