
حسين زلغوط
خاص_ موقع “رأي سياسي”:

منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية وتوقيع اتفاق الطائف، ظل سلاح “حزب الله” موضع نقاش مستمر. ومع انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، ازدادت الأصوات المطالِبة بدمج سلاح الحزب في إطار الدولة اللبنانية. إلا أن الحزب يعتبر نفسه “حركة مقاومة” ذات دور يتجاوز الحدود اللبنانية، خاصة في ظلّ ما يراه من “تهديدات إسرائيلية دائمة” و”تواطؤ دولي ضد محور المقاومة”.
بالأمس وفي تصريحٍ لا يحتمل التأويل، قالها حزب الله بوضوح: “لن نُسلِّم إبرة من سلاحنا”. عبارة تختصر تمسك الحزب بسلاحه كخيار استراتيجي غير قابل للمساومة، وسط نقاش داخلي متجدد حول مستقبل السلاح غير الشرعي في لبنان، وضغوط إقليمية ودولية تطالب بحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية.
يأتي تصريح أحد مسؤولي حزب الله في وقتٍ يشهد لبنان تجاذبًا سياسيًا متزايدًا حول حصرية السلاح، وسط مطالبات متكررة من قوى سياسية داخلية، وعلى رأسها قوى المعارضة المسيحية وبعض تيارات التغيير، بضرورة حصر سلاح الحزب ضمن إطار الدولة اللبنانية، لا سيما بعد التطورات الإقليمية التي أعادت طرح مسألة السيادة اللبنانية إلى الواجهة.
لكن الحزب، وكما اعتاد في كل محطة مفصلية، يؤكد أن سلاحه لا يبحث الا من خلال حوار داخلي ومن دون اي ضغط خارجي، ويعتبره “سلاح المقاومة” الذي حرّر الجنوب اللبناني عام 2000، وصمد في وجه العدوان الإسرائيلي في 2006، ويواصل دوره في ما يُعرف بـ”الردع الاستراتيجي”.
لا يمكن قراءة هذا الموقف دون وضعه في سياقه الإقليمي. فحزب الله، يرى في سلاحه جزءًا من معادلة إقليمية كبيرة، وهو يعتبر أن أي تفريط بهذا السلاح يعني انسحابًا من هذه المعادلة، وهو ما لا يبدو واردًا حاليًا.
ورغم مشروعية المطالب التي ترفع شعار “حصر السلاح بيد الدولة”، إلا أن الواقع اللبناني المعقّد يجعل من هذا الشعار أقرب إلى الأمنيات منه إلى الخطط التنفيذية. فالدولة نفسها، العاجزة إداريًا واقتصاديًا وأمنيًا، تبدو غير قادرة على اتخاذ خطوات عملية باتجاه نزع سلاح الحزب، ما يخلق توازنًا هشًّا بين الواقع المفروض والطموحات المعلنة، وهو سيبقى الى أمد غير معلوم محط ردود فعل متباينة. ففي حين اعتبره جمهور الحزب “تأكيدًا على ثبات المقاومة”، رأى فيه خصوم الحزب “إعلانًا صريحًا بانتهاء منطق الدولة”. وذهب بعض المحللين إلى القول إن “التعنت في ملف السلاح سيبقي لبنان رهينة للمواجهة المقبلة بين إسرائيل وحزب الله”، بينما حذر آخرون من أن هذا المنطق يكرّس الانقسام السياسي والطائفي في البلاد.
وفي هذا السياق فان مصادر سياسية متابعة لمسار النقاش الدائر حول مصير سلاح “حزب الله” ترى أن تصريح “لن نُسلِّم إبرة من سلاحنا” كتعبير عن قناعة راسخة لدى حزب الله بأن السلاح هو صمام الأمان الوحيد في ظل الانهيارات المتتالية في مؤسسات الدولة. ومع غياب مشروع دفاعي وطني متكامل، وغياب التوافق الداخلي، يبدو أن هذا السلاح سيبقى حاضرًا، وأن لبنان سيظل يدور في حلقة مفرغة من التجاذب، حتى إشعار آخر.
ويبقى السؤال: هل يمكن للبنان أن يوازن بين “حق المقاومة” كما يراه حزب الله، وبين مطلب السيادة الكاملة كما تراه القوى الأخرى؟
الواقع أن بقاء سلاح الحزب دون توافق وطني شامل حوله، يُبقي لبنان في حالة هشاشة سياسية وأمنية، ويؤثر على اقتصاده ومكانته الدولية. في المقابل، يرى البعض أن نزع سلاح الحزب دون بديل ردعي، قد يفتح الباب أمام تهديدات حقيقية في منطقة لا تزال عرضة للاشتعال في أي لحظة.