عندما أعلنت الحكومة الائتلافية الإسبانية التي يرأسها الاشتراكي بيدرو سانشيز اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، قبل عام، فتح الرجل فصول مواجهة مباشرة مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كانت إسبانيا شبه وحيدة داخل الاتحاد الأوروبي، تدعمها حفنة ضئيلة من الدول الأعضاء مثل: (آيرلندا، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، وبلجيكا مع بعض التردد) التي كانت تؤيد مبادرات مدريد في اجتماعات المجلس الأوروبي للمطالبة بمواقف أكثر تشدداً من الحكومة الإسرائيلية بسبب المجازر التي ترتكبها في غزة، ومراجعة اتفاقية الشراكة التي تشكّل إطار العلاقات السياسية والتجارية بين الاتحاد وإسرائيل.
بعد مرور عام على ذلك القرار الإسباني، الذي علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية إسبانية أن مدريد أقدمت على اتخاذه بعد حصولها على ضوء أخضر من واشنطن، زاد عدد الأنصار فصوّت 17 من أعضاء الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء الماضي، تأييداً لمراجعة اتفاقية الشراكة التي كانت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، قد تجاهلت طوال أشهر طلب مراجعتها.
وقد دفع الموقف الفرنسي، والبيان الثلاثي الذي صدر عن فرنسا وبريطانيا وكندا، الاثنين الماضي، الرئيس الإسباني إلى تكثيف تحركاته في اتجاه المزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
غزة محور مركزي
يقول مصدر سياسي إسباني رفيع، الخميس، إن «سانشيز قد عقد العزم على جعل غزة المحور المركزي لأجندته السياسية، وبعد مشاركته النشطة في اجتماع تيرانا، ثم في القمة العربية في العاصمة العراقية، يستعد للتوجه في الساعات المقبلة إلى إسطنبول لمناقشة الخطوة المقبلة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان».
ويفيد المصدر بأن «سانشيز يُنسّق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم مشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتكليف (محكمة العدل الدولية) بالبت في امتناع إسرائيل عن السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وما إذا كان ذلك يشكل انتهاكاً لأحكام القانون الدولي».
ووفق المصدر، فقد «أعطى سانشيز تعليماته إلى الكتلة الاشتراكية في البرلمان للتصويت تأييداً لاقتراح تقدم به حزب (سومار) المشارك في الائتلاف الحاكم لحظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل».
ومن المقرر أن تستضيف مدريد يوم الأحد المقبل اجتماعاً لوزراء خارجية دول عربية وإسلامية «دعماً للدولة الفلسطينية »، كما سبق أن أعلن سانشيز أمام القمة العربية في بغداد.
لغة شديدة اللهجة
وربما يعكس جانباً من صلابة التوجه الإسباني الذي يقوده سانشيز، ما نقلته مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي في بروكسل شهد مداخلة شديدة اللهجة على لسان وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس جاء فيها: (انتهى وقت القول وأزفت ساعة العمل. لم يعد بوسعنا أن نسمح ولو لدقيقة واحدة بما يحصل في قطاع غزة)».
ووفق المصادر أضاف ألباريس أمام نظرائه الأوروبيين: «أطفال غزة ليسوا بأقل قيمة من أطفال أوكرانيا، وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على روسيا، فمن واجبه أيضاً أن يفرضها على إسرائيل التي تتعمّد تجويع 15 ألف طفل كما تؤكد الأمم المتحدة… لا يوجد أي هدف عسكري في غزة حالياً سوى تحويل القطاع إلى مقبرة هائلة».
اليمين الإسباني يمتنع
تجدر الإشارة إلى أنه فيما كان سانشيز يصعّد خطابه ومواقفه السياسية ضد السلوك الإسرائيلي في غزة، مستنداً إلى قناعة راسخة بأن هذا هو الشعور العارم في الأوساط الشعبية الإسبانية، الذي تؤيده شريحة واسعة من المحافظين انسجاماً مع موقف البابا الراحل وخلفه الجديد، بقيت المعارضة اليمينية المعتدلة على موقفها الممتنع عن إدانة إسرائيل حتى مساء الثلاثاء الماضي عندما طرأ التغيير المفاجئ على الموقف الأوروبي، لكنها اكتفت بالإعراب عن أسفها على الوضع الإنساني في قطاع غزة، ورفضت أي إدانة للحكومة الإسرائيلية.
ويعدّ رئيس الوزراء الإسباني، أن تمادي إسرائيل في سياستها سيدفع المزيد من الدول الأوروبية إلى رفع الصوت ضد حكومة نتنياهو والمطالبة بفرض عقوبات عليها لردعها عن الممارسات التي تقوم بها في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويُعد القرار الذي أعلنته مساء الثلاثاء مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاياك كالّاس لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل «نزولاً عند طلب أغلبية كبيرة من الدول الأعضاء»، تعليقاً فورياً للحوار السياسي والتجاري مع الدولة العبرية، ويمهّد لقرارات لاحقة، بالإجماع أو الأغلبية، تتضمن حزمة من التدابير الأكثر تشدداً.
وكان لافتاً أن من بين الدول الأعضاء التي صوّتت لصالح مراجعة الاتفاقية النمسا المعروفة بدعمها غير المشروط لإسرائيل، وهولندا التي كانت تقدمت بطلب المراجعة.