
بعد قرار رئاسة الجمهورية تكليف السفير السابق سيمون كرم برئاسة الوفد اللبناني في لجنة “الميكانيزم” لمراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، بدا أن لبنان يسعى اليوم إلى إدخال بعد مدني ودبلوماسي في ملف كان حكراً على العسكريين منذ عقود.
صحيح أن ما حصل يعد خطوة رمزية في ظاهرها، لكنها تحمل رسالة واضحة مفادها وجود رغبة في تخفيف منطق التصعيد وإعطاء أولوية للحوار السياسي على المواجهة العسكرية.
فسيمون كرم يُعرف بخلفيته الدبلوماسية والقانونية، وتعيينه يمثل خروجاً على المنوال التقليدي الذي فرضته الحرب، ويمنح لبنان ما يشبه “قناع ضبط” دبلوماسي أمام المجتمع الدولي.
والخطوة هذه من شأنها تفعيل المبادرة الرئاسية وتعزيز حضور لبنان النوعي في هذه اللجنة.
من منظور استراتيجي، هذا التعيين قد يساهم في تهدئة الأجواء، أولاً لأنه يؤشر إلى أن لبنان مستعد للتعامل مع الآليات الدولية بشكل رسمي وليس عبر منطق تصعيدي. وثانياً، لأن مشاركة مدنية-دبلوماسية قد تسمح بفتح قنوات تفاهم مباشرة أو غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً في الملفات الفنية أو الحدودية أو إعادة انتشار قوات.
ثالثاً: لأن أي تجاوز للخطوط سواء من قبل إسرائيل أو أي قوات مسلحة داخل لبنان سيجد رداً سياسياً وديبلوماسياً متوازناً بدلاً من ردود فعل عسكرية عشوائية، مما يقلل من فرص الانزلاق إلى حرب شاملة.
لكن ومع ذلك، لا يمكن اعتبار التعيين ضماناً لتلاشي الحرب، فالعامل الحاسم يبقى مدى احترام اسرائيل للاتفاق، وإذا بقيت الاعتداءات أو الأعمال الميدانية مستمرة، فلن تغيّر الشخصية المعينة الكثير.
فتكليف سيمون كرم يشكل محاولة جدية من الدولة اللبنانية للانتقال من منطق الحرب إلى منطق التفاوض، وهو مفتاح لتبريد الجبهة وتقليل احتمال انفجار واسع، لكن نجاح هذه المبادرة مرهون بإرادة سياسية داخلية، واستعداد إسرائيلي لرد دبلوماسي على الدبلوماسية وليس بالنار والدم.

