
أطلّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس بتأكيد لافت مفاده أن شبح الحرب الإسرائيلية على لبنان أصبح بعيداً.
هذا الموقف لا يمكن قراءته كتصريح عابر، بل كرسالة سياسية وأمنية متعددة الاتجاهات، موجّهة إلى الداخل اللبناني كما إلى الخارج، في ظل الخوف المتصاعد من عودة الحرب.
تأتي هذه الطمأنة في وقت يعيش فيه اللبنانيون قلقاً مزمناً، تغذّيه الذاكرة القريبة للحروب والأزمات، والانهيارات المتتالية التي جعلت أي اندلاع لأي حرب تقرأ كتهديد وجودي. من هنا، تكتسب كلمات رئيس الجمهورية أهمية مضاعفة، ليس فقط لأنها صادرة عن رأس الدولة، بل لأنها تنطلق من خلفية عسكرية تدرك كلفة الحرب ومعناها الواقعي، بعيداً عن الخطاب الشعبوي أو المبالغات السياسية.
إن تحليل هذا الموقف يقود إلى أكثر من مستوى، على الصعيد الأمني، يعكس التصريح تقديراً بأن احتمالات الانزلاق إلى مواجهة واسعة تبقى مضبوطة ضمن هوامش معينة، وهو في الوقت نفسه إشارة إلى أن المؤسسة العسكرية والأجهزة المعنية تتابع التطورات بدقة، وتمسك بزمام الأمور قدر الإمكان.
أما سياسياً، فيحمل الكلام تهدئة واضحة، فالدولة، المنهكة على أكثر من مستوى، لا تملك ترف الحرب، ولا قدرة لها على تحمّل تداعياتها. من هنا، يبدو تأكيد ابتعاد شبحها محاولة لخلق مناخ داخلي أكثر اطمئناناً، يساعد على إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، ولو بحدّها الأدنى، ويخفف منسوب الهلع لدى المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
غير أن الطمأنة لا تعني إنكار المخاطر، فالمنطقة تعيش على وقع صراعات مفتوحة، ولبنان بحكم موقعه وتركيبته يبقى عرضة للتأثر، لكن الفرق الجوهري يكمن بين خطر قائم واحتمال غير حتمي.
إن ما يقوله رئيس الجمهورية، في جوهره، هو أن لبنان ليس اليوم على حافة الحرب، وأن إدارة المخاطر ممكنة إذا ما توافرت الحكمة السياسية وتماسك الموقف الداخلي.
لا شك ان هذا الموقف الرئاسي يشكل محاولة لإعادة ضبط البوصلة الوطنية نحو الاستقرار، وتأكيد أن حماية السلم الأهلي أولوية مطلقة. وبين الطمأنة والواقعية، يبقى الرهان على أن تُترجم هذه الرؤية إلى سياسات متماسكة، لأن إبعاد شبح الحرب لا يتحقق بالكلام وحده، بل بتعزيز الدولة، وتحقيق الحد الأدنى من الإجماع الوطني حول مصلحة لبنان أولاً.

