
باسم المرعبي
ناشر موقع “رأي سياسي”:
في بلد لا يزال يئنّ تحت وطأة أزماته السياسية والاقتصادية، بدأت الأصوات التحذيرية تتعالى من منزلق بالغ الخطورة وهو عودة الخطاب الطائفي والتحريضي إلى الواجهة. ففي مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات الانقسام الوطني العميق الذي سبق الحرب الأهلية في العام 1975، تزداد وتيرة التصعيد الإعلامي والسياسي، مدفوعة بخطابات مذهبية وشحن طائفي ينذر بانفجار محتمل قد لا يقف عند حدود التوتر الكلامي.
لطالما كان لبنان مسرحًا لتوازنات دقيقة بين مكوناته الطائفية والمذهبية، إلا أن هذه التوازنات غالبًا ما كانت هشّة، وتنهار أمام أي أزمة أو استحقاق مفصلي. ومع تفاقم الانهيار الاقتصادي، وتزايد الانقسامات السياسية، وجد البعض في الخطاب الطائفي وسيلةً سريعة لتجييش الجمهور وتأمين مكاسب شعبوية، من دون الاكتراث بعواقب وخيمة تلوح في الأفق، وبات من الشائع سماع تصريحات ومواقف من مسؤولين سياسيين ودينيين تلامس حدود التحريض، وتنبش جراح الحرب، في مشهد يعيد إلى الأذهان محطات قاتمة من تاريخ لبنان، حيث تحول الانقسام السياسي إلى اقتتال دموي استمر 15 عامًا.
وتشير مقارنات تاريخية إلى أوجه شبه مقلقة بين الظروف الراهنة وتلك التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. ففي حينه، كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، واستقطاب سياسي حاد، وتدخلات إقليمية مباشرة، فضلاً عن تفكك في مؤسسات الدولة وغياب للثقة بين المواطنين والدولة. واليوم، تتكرر هذه العوامل مجددًا: تفكك مؤسساتي، غياب حكومة فاعلة، فراغات دستورية، تصاعد للهجرة والنزوح، واستقطاب إقليمي حاد. ومع غياب مشروع وطني جامع، يجد اللبناني نفسه أمام خطر حقيقي بتكرار سيناريو الحرب، خصوصًا في ظل بيئة إقليمية متوترة وتحالفات متشابكة.
أمام هذا الواقع لا بد من اطلاق تحذيرات جدية من خطورة الانزلاق إلى العنف الأهلي مجددًا، ولتجنبه نطالب بخطاب وطني جامع، والتحلي بالمسؤولية السياسية، والابتعاد عن زرع الفتن، واحترام التنوع اللبناني والعمل على تهدئة الأجواء السياسية، تجنبا لانزلاق لبنان مجددا إلى الفوضى.
صحيح أن لبنان شهد مراحل من التوتر والانقسام دون أن تنزلق الأمور إلى الحرب، إلا أن التحذير اليوم لا يستند فقط إلى التخوفات، بل إلى معطيات واقعية تتطلب تحركًا سريعًا وفعّالًا لاحتواء الأزمة.
إن الخروج من هذه الدوامة لا يتم عبر المعالجات السطحية أو الخطابات الشعبوية، بل عبر العودة إلى مشروع دولة حقيقية، تعتمد القانون والعدالة والتعددية، وتحارب الفساد، وتبني المؤسسات، وتحصّن السلم الأهلي بخطاب جامع لا يفرّق بين لبناني وآخر.
فاللبنانيون الذين ذاقوا ويلات الحرب الأهلية يدركون جيدًا أن التحريض الطائفي لا يمرّ من دون ثمن. واليوم، نرفع الصوت عالياً: حذار من إشعال الفتنة مجددًا، لأن العودة إلى الوراء لن تكون مجرد نكسة، بل ستكون كارثة وجودية تهدد كيان الوطن برمّته.
نختم بالتنويه بدور الجيش اللبناني ومختلف الأجهزة الأمنية التي تسهر على الاستقرار الداخلي وتقوم بخطوات جبارة لمواجهة كل من تسول نفسه جر البلد إلى آتون الصراعات الداخلية. ولأجل استمرار هذه الأجهزة في القيام بمهامها لا بد من وجود قرار سياسي يؤمن كل مقومات الدعم المالي واللوجستي لها.