مع تكرار اللقاءات المباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين، ومحاولات الوسطاء من الولايات المتحدة والإمارات، يتضح أن انضمام دمشق إلى «اتفاقات إبراهيم» ليس مضموناً؛ لأن الشروط التي تضعها تل أبيب لا تساعد على ذلك. فهي مُقصرَّة على ضم أراضٍ واسعة كانت قد احتلتها في الجولان، وفرض الشروط الأمنية الجديدة التي تتحدث عن حزام أمني يمتد لبضعة كيلومترات في العمق السوري، ونزع السلاح في الجنوب من دمشق.
وعزَّز وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، هذا الانطباع عندما صرَّح، مساء السبت، بأن «اعتراف سوريا بسيادة إسرائيل على الجولان يعدُّ شرطاً لاتفاق مستقبلي مع الرئيس السوري أحمد الشرع».
وأضاف ساعر خلال لقاء صحافي مع قناة «آي نيوز 24» العبرية، قائلاً: «إذا أُتيحت لإسرائيل فرصة التوصُّل إلى اتفاق سلام أو تطبيع مع سوريا، مع بقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، فهذا برأيي، أمر إيجابي لمستقبل الإسرائيليين».
ويعتمد ساعر، في هذا الموقف، على الاعتراف الأميركي، بضم الجولان لإسرائيل، الذي كان قد أعلنه الرئيس دونالد ترمب نفسه ووقَّع عليه في مرسوم رسمي عام 2019، خلال رئاسته الأولى.
حزام أمني دون سلاح
لكن مصادر سياسية في تل أبيب، قالت إن بنيامين نتنياهو لا يكتفي بضم أراضي الجولان التي كانت إسرائيل قد احتلتها عام 1967، وقرَّرت ضمها لإسرائيل في سنة 1981، بل يريد الاحتفاظ بالاحتلال الإسرائيلي الجديد، الذي يشمل قمم جبل الشيخ، ومناطق واسعة في محافظتَي درعا والقنيطرة.
كان الجيش الإسرائيلي قد وضع عثرةً إضافيةً أمام فرص السلام مع سوريا، عندما حدَّد 3 دوائر أمنية في الدفاع عن الحدود الإسرائيلية، مع لبنان وسوريا وغزة. وبموجبها يقيم أولاً زناراً أمنياً داخل إسرائيل على طول الحدود. وثانياً، يقيم حزاماً أمنياً بعرض 5 كيلومترات داخل سوريا، أيضاً على طول الحدود، يخضع لمراقبة إسرائيلية دائمة، ويحظر فيها وجود أي إنسان مسلح. وثالثاً، جعل المنطقة الممتدة من دمشق وجنوباً وغرباً منطقة منزوعة السلاح.
وفي هذه الحالة فقط تنسحب إسرائيل من المناطق التي تحتلها الآن في العمق السوري، مقابل السلام، على أن تبقي على الجولان بكل الحالات.
عرض بخيل ومهين
لكن هذا العرض يعدُّ حتى في أوساط إسرائيلية معينة غير واقعي. ووصفه عضو في الكنيست من المعارضة «عرضاً بخيلاً، لن يجد في دمشق مَن يقبل به حتى في إطار استغلال الواقع، الذي ما زال فيه النظام في طور التكوين».
وأضاف: «الواقع في سوريا صعب، والنظام هناك يبدو متحمساً أكثر من إسرائيل للانضمام إلى (اتفاقات إبراهيم) وأكثر من ذلك. لكنه ليس مجبوراً على قبول الشروط الإسرائيلية المهينة. لذلك يبدو لي أن نتنياهو سيضيع أيضاً هذه الفرصة».
يذكر أن إسرائيل كانت قد استغلت سقوط نظام بشار الأسد لتشنَّ حرباً أحادية الجانب على سوريا. فقامت بتنفيذ نحو 500 غارة على أهداف في جميع أنحاء سوريا، قضت خلالها على نحو 85 في المائة من القدرات الدفاعية. وواصلت هذه الغارات لاحقاً، ثم احتلت مناطق واسعة تُقدَّر مساحتها بـ500 كيلومتر مربع في محافظتَي درعا والقنيطرة ثم احتلت جميع قمم جبل الشيخ. واعترفت مصادر سياسية في حينه بأن الغرض من ذلك هو دفع سوريا إلى «اتفاقات إبراهيم» بشروط «الراية البيضاء». ولم تتوقف هذه العمليات العدائية إلا بعد تدخل مباشر من ترمب، إثر لقائه، في الرياض، الرئيس السوري.
وصرَّح مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بأنه يسعى إلى دفع المفاوضات الإسرائيلية – السورية في الأسابيع الأخيرة، وقام توماس برّاك، المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان، بزيارتين لإسرائيل أجرى خلالهما «محادثات استطلاع» للمواقف الإسرائيلية.
رسائل من دمشق
وقالت مصادر في تل أبيب إنه تم نقل رسائل من دمشق. لكن الإسرائيليين يتحدثون عن لقاءات مباشرة تُجرى في القنيطرة بين مسؤولين إسرائيليين وماهر مروان، محافظ دمشق الجديد، الذي عيَّنه الرئيس الشرع؛ للتمهيد لتنفيذ مبادرة الولايات المتحدة لإقامة السلام بين سوريا وإسرائيل. ومروان يعدُّ أول مَن تحدَّث عن هذا السلام، في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد أيام فقط من سقوط الأسد.