
ينتظر أن يدخل قانون “الفجوة المالية” مع قابل الأيام أروقة مجلس النواب، في ظل انقسام سياسي حادّ يعكس تباينًا عميقًا في تشخيص الأزمة المالية ومسؤولياتها، كما في مقاربات توزيع الخسائر ومعايير العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وأمام هذا الواقع تتجه الأنظار إلى النقاش البرلماني الذي يُرجَّح أن يكون طويلًا وشائكًا.
الانقسام القائم لا يقتصر على خطوط سياسية عادية، بل يتجاوزها إلى تباينات داخل الكتل نفسها. فثمّة من يدفع باتجاه إقرار سريع للقانون بوصفه خطوة لا غنى عنها لاستعادة الثقة وإطلاق مسار التعافي، فيما يحذّر آخرون من استعجال التشريع من دون استكمال منظومة القوانين الإصلاحية المتكاملة، وعلى رأسها إصلاح القطاع المصرفي وحماية حقوق المودعين ووضع إطار واضح للمساءلة.
في جوهر النقاش، تتمحور الخلافات حول كيفية تحديد حجم الفجوة وتوزيعها، ومن يتحمّل العبء الأكبر: هل هي الدولة، أم المصارف، أم أصحاب الودائع؟
أنصار المقاربة الصارمة يرون أن الاعتراف بالخسائر وتوزيعها وفق معايير واضحة هو شرط أساسي لأي خطة إنقاذ، معتبرين أن المراوحة تعمّق الكلفة وتزيد من تآكل الثقة. وفي المقابل، يرفض المعترضون أي صيغة قد تُفهم على أنها تقنين للخسائر على حساب الفئات الأضعف، مطالبين بضمانات تشريعية صلبة تحمي صغار المودعين وتمنع تحويل القانون إلى أداة لإبراء ذمم أو ترحيل أعباء الماضي.
لذلك، فإنه يُرجَّح أن يشهد النقاش البرلماني المرتقب شدّ حبال بين منطق تقني ـ مالي يسعى إلى أرقام وإجراءات، ومنطق سياسي ـ اجتماعي يضع الاعتبارات الشعبية في الصدارة. وسيكون لأسلوب إدارة الجلسات ودور اللجان النيابية تأثير حاسم في بلورة الصيغة النهائية، سواء عبر إدخال تعديلات جوهرية أو عبر ربط القانون بحزمة تشريعات متلازمة تخفّف من حدّة الاعتراضات.
كما يُنتظر أن يبرز سؤال الثقة مجددًا: هل يشكّل القانون خطوة أولى على طريق التعافي أم مجرّد إجراء معزول في ظل غياب رؤية اقتصادية شاملة؟ هذا السؤال سيحكم مواقف العديد من النواب، خصوصًا أولئك الذين يخشون تبعات سياسية واجتماعية لأي تصويت قد يُفسَّر على أنه مساس بحقوق الناس أو تغليب لمصالح قطاعية.
في المحصّلة، يقف “قانون الفجوة المالية” أمام اختبار البرلمان كمرآة للأزمة الأوسع: أزمة قرار، وأزمة ثقة، وأزمة توازن بين الضرورة المالية والعدالة الاجتماعية. وبين إقرار متعثّر أو تسوية معدّلة أو تأجيل جديد، يبقى الثابت أن النقاش النيابي المقبل لن يكون مجرّد نقاش تقني، بل مواجهة سياسية بامتياز ستحدّد ملامح المرحلة المقبلة واتجاه البوصلة الاقتصادية للبلاد.

