
غير أن هذا التفاؤل الرسمي لم يمنع ظهور قراءات متحفظة تشير إلى أن التصريحات المتفائلة تخفي تحذيرات خطيرة حول هشاشة الاقتصاد الحالي، وتطرح تساؤلات كبيرة حول آليات تطويره فعليا.
زيارة على درجة كبيرة من الأهمية
رأى المحلل السياسي السوري خالد الفطيم أن وفد صندوق النقد الدولي الذي زار دمشق والتقى مع رئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع وكبار المسؤولين السياسيين والاقتصاديين في سوريا سيسهم في مساعدة الاقتصاد السوري على الخروج من الأزمة البنيوية العميقة التي أصابته نتيجة سياسات النظام السابق والحرب الطويلة التي عاشتها البلاد.
وأشار الفطيم في حديثه لـRT إلى أن محاذير التعامل مع صندوق النقد الدولي تبقى قائمة ومشروعة، ولكن التواصل معه والإستئناس بوفاته في الحالة السورية بات ضرورة ملحة نتيجة لحاجة الإقتصاد السوري إلى خارطة طريق بخبرات عالمية ورقابة وطنية سورية تمارسها الحكومة السورية الحالية على النحو الأمثل، لافتا إلى أن العناوين الهامة التي ناقشها الوفد في دمشق ركزت على تعزيز شراكة البنك الدولي مع سوريا وتحديد أهم القطاعات التي سيصار من خلالها إلى رفع السوية المعيشية للشعب السوري فضلاً عن تنفيذ برامج الدعم.
ونوه المحلل السياسي بإشادة وفد البنك الدولي بجهود الحكومة السورية لإنعاش الاقتصاد مع الحفاظ على الإستقرار المالي في ظل الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أن الحكومة السورية كانت قد سبقت زيارة الوفد بإجراء تدابير هامة في السياسة المالية والنقدية وإصلاحات في إدارة المالية العامة والسياسات الضريبية.
وختم الفطيم حديثه لموقعنا بالاشارة إلى أن ما تريده دمشق من البنك الدولي هو ما أعلنه عثمان ديون نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان و أفغانستان من ” استعداد البنك الدولي لدعم رحلة سوريا نحو التعافي والنمو الشامل استناداً إلى المعرفة والتحليلات العميقة والخبرة العالمية والشراكات الاستراتيجية والالتزام الجاد بتقديم نتائج ملموسة للشعب السوري بناء على أولويات الحكومة السورية “.
ثمة محاذير
من جانبه حذر الخبير الاقتصادي السوري علي عبدالله من خطورة الركون إلى التصريحات المعلنة لأعضاء وفد صندوق النقد الدولي الذين زاروا دمشق والتي يرى أنها تسبطن الخطورة والتحذير بأكثر مما تظهر المديح والاشادة.
وفي حديثه لـRT شدد عبد الله على أن الشق السياسي في الزيارة يعلو على الجانب الاقتصادي حيث أن زيارة الوفد التي ترأسها رون فان رودن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي جاءت عقب لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بالمديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغييفا في واشنطن الأمر الذي ربط الزيارة بمسار سياسي دولي تنوي الحكومة السورية انتهاجه بصرف النظر عن الأمور التقنية المرتبطة بطبيعة الإقتصاد السوري وما يحتاجه من حوامل إصلاح محلية وجب حضورها قبل الركون إلى وصفة صندوق النقد الدولي.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن ربط البعثة الدولية مؤشرات تعافي الاقتصاد السوري بعودة اللاجئين ورفع العقوبات وتحسن ثقة المستثمرين ليس دقيقا بما فيه الكفاية ويؤكد على طغيان الجانب السياسي في الأمر على الجانب الفني. خاصة وأن وزير المالية محمد يسر برنية، الذي أشاد بتقرير البعثة الدولية حول زيارة دمشق، لم يفصح عن طبيعة الإصلاحات التي “يتعين استكمالها” في الأشهر القادمة والتي يؤكد عبدالله أنها ستكون من وحي مشورة صندوق النقد الذي يربط كما يقول مصير الدول بسياساته.
وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية قراءة ما وراء السطور في تقرير صندوق البنك الدولي تجاه سوريا وما تضمنه من بطئ مؤشرات التعافي وضرورة ربط السياسات المالية والاقتصادية بإصلاحات سياسية وقانونية وتشريعية شاملة على مستوى البلاد، مشيرا إلى أن التقرير لم يأت على ذكر الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه السوريون وهو في حديثه عن التعافي لا يستند إلى مؤشرات السوق الطبيعية مثل القدرة الشرائية المتراجعة للمواطن السوري وارتفاع معدل الأسعار وتذبذبها فضلاً عن أن إشادة الصندوق بالسياسات المالية لم ترفق بدعوة عملية لإصلاحات بديهية من قبيل استقلال المصرف المركزي وإعادة هيكلة الدعم وتحديث نظم الضرائب في البلاد.
وحول برنامج التعاون الذي أعلنه وفد صندوق النقد الدولي الزائر لسوريا واشتماله على دعم فني في مجالات إعداد الموازنة وتطوير السياسة النقدية وتحسين الإحصاءات الاقتصادية رأى الخبير الاقتصادي أن كل هذه الإجراءات والتعاون لن تقدم شيئاً ملموساً مالم تكن الشفافية قائمة لجهة وجود قاعدة بيانات واضحة وقرار حكومي مسؤول وجريئ لا يحابي أحدا ويمكن الاعتماد عليه لتطبيق الرؤى المعتمدة وإلا فإن الاقتصار على المشورة والمساعدة التقنية من دون الوصول إلى برنامج إصلاحي شامل ستكون له نتائج سلبية ومخيبة للآمال على مستوى الحكومة والشارع.
وختم الخبير الاقتصادي حديثه لموقعنا بالإشارة إلى ضرورة الإفادة من زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى سوريا واحتكاك الخبراء الاقتصاديين السوريين به من أجل بلورة خطة عمل تكون صياغتها والرقابة الأساسية عليها وطنية سورية صرفة بحيث تبقى إمكانية العودة عن مشروع التعاطي مع صندوق النقد الدولي قائمة إذا ما شعر السوريون بأنها ستسلبهم قرارهم الاقتصادي ما يحتم عليهم طرح رؤيتهم الإصلاحية المحلية أولا قبل الركون إلى مشاريع معلبة لا تخدم الأهداف الوطنية في الغالب.
المصدر: RT

