فكرة وجود مكان واحد تجتمع فيه كل الأزمنة، ويؤسس لنوع من الأرشيف، هي في الأصل فكرة تجسّدت بولادة المتحف الكلاسيكي الذي نعرفه. لكن الزمن يتغيّر، والمتاحف التي بقيت ساكنة عبر الزمن، ونخبوية الطابع إلى حدّ ما، بدأت تقترح أنماطاً جديدة لإبراز أصولها الثقافية والتاريخية أمام الناس.
هكذا اجتمعت متاحف العالم العربي كلها في مكان واحد، ببيوتها ومقتنياتها وخبرائها والمتخصصين فيها، في مؤتمر “مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغيير”، الذي تستضيفه مدينة دبي على مدى أربعة أيام.
تتألق العصور الذهبية للحضارتين العربية والإسلامية، وغيرها من الحضارات القديمة، في أجنحة الإمارات والسعودية ومصر وعُمان وبلدان أخرى، من خلال مجسّمات حديثة التصميم وجذابة، تحمل تفاصيل عمرانية خاصة بكل دولة، تشارك بوزاراتها الثقافية وهيئاتها المخصصة للتراث والفنون والآثار.
اختيار المجلس الدولي للمتاحف “أيكوم” مدينة دبي لاستضافة مؤتمره الـ27، يُعدّ إنجازاً إضافياً في سجّل هذه الإمارة. فهي أول مدينة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا تستضيف هذا الحدث الدولي المرموق، وذلك منذ تأسيس المجلس الدولي للمتاحف عام 1946، الذي يعقد مؤتمره العام كل ثلاث سنوات.
يبحث المؤتمر سُبل تمكين المتاحف من مواكبة التحوّلات المتسارعة في المجتمعات المعاصرة، ويؤكد الدور المحوري للمتاحف في صون الذاكرة الجماعية وتعزيز أثرها الثقافي لدى الشباب.
وافتتحت الشيخة لطيفة آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، المؤتمر بكلمة ركّزت فيها على مكانة دبي الثقافية العالمية. وأكدت أن هذا اللقاء “هو تجسيد لرؤية مشتركة تؤمن بدور الثقافة في بناء مستقبل الإنسانية. وهو لقاء يجمع بين عوالمنا ومتاحفنا وثقافات مجتمعاتنا”.
وقالت: إنها المرّة الأولى التي يعقد فيها المؤتمر في منطقتنا، ونحن فخورون بأن دبي هي موقع هذا الحدث العالمي، الذي يعكس ثقافتنا ويخلّد بصمتنا”.
حفظ التراث
يتناول المؤتمر 3 محاور مترابطة، تشمل حماية التراث غير المادي، وقوة الشباب ودورهم في تشكيل مستقبل المتاحف، وتأثير تطوّر التقنيات الحديثة على قطاع المتاحف.
كما سيقدم المؤتمر مجموعة من الفعاليات الاجتماعية والثقافية التي تضمن حصول المشاركين على تجربة غنية وفريدة، وهو ما ينسجم مع المشهد الثقافي الغني لدبي والإمارات.
وتحدثت مديرة محفظة الشراكات في وزارة الثقافة السعودية مشاعر الخطراوي لـ “الشرق”، فأكدت على أهمية هذه المؤتمرات “والوجهة التحديثية التي تنتهجها، لجهة أسلوب عملها وطريقة عرضها للمقتنيات”.
وأكدت أن المملكة “ستشهد نهضة في عدد المتاحف المتخصّصة بالتراث الثقافي السعودي، والتي يبلغ عددها نحو 12 متحفاً، وأبرزها متحف الثقافات العالمي في الرياض”.
تواصل مع العالم
يفتح مؤتمر “أيكوم دبي 2025” قنواته للتواصل الحيّ مع العالم، ما يتيح الفرصة للمشاركة العالمية الواسعة. والاستماع إلى استضافة مجموعة من المتحدثين البارزين، من بينهم خبراء في مجال المتاحف ومفكرون ثقافيون عالميون، يشاركون رؤاهم حول مستقبل المتاحف.
كما يتيح للمشاركين إمكانية حضور ورش عمل متخصصة بإشراف عدد من الخبراء، بالإضافة إلى فرص التواصل والتعاون وتبادل الأفكار في بيئة حيوية.
يشهد الحدث العالمي كلمات رئيسة لمجموعة من كبار المسؤولين إلى جانب شخصيات ثقافية وخبراء ومتخصصين في القطاع. ويتضمن الحدث العالمي تنظيم سلسلة من الجلسات النقاشية والحوارية وورش العمل التفاعلية التي تُبرز دور الشباب في تشكيل ملامح مستقبل القطاع، وتسلط الضوء على مساهمة المتاحف في حفظ وصون التراث غير المادي، وقدرتها على تبنّي التقنيات الحديثة.

