عقد صناع ونجوم المسلسل الأميركي The Paper مؤتمراً صحفياً (افتراضياً وحضورياً) يوم 25 أغسطس، خُصِّص لمصوّتي جوائز الجولدن جلوب، وشارك فيه ممثلو عدد من المؤسسات الإعلامية العالمية، من بينها “الشرق”.
المسلسل الذي تنتجه منصة Peacock الأميركية، مكوّن من 10 حلقات ستُعرض دفعة واحدة في الرابع من سبتمبر المقبل عربياً، على منصة OSN، يقف وراءه جريج دانيلز، أحد أبرز العقول التي صنعت نجاح المسلسل الشهير The Office، ومايكل كومان المعروف بأعماله الكوميدية.
ينتمي المسلسل إلى أسلوب Mockumentary “الموكومنتري” الكوميدي الشهير، وهو نوع فني يجمع بين الوثائقي والخيال، حيث يقدّم قصة خيالية بأسلوب الفيلم الوثائقي، غالباً للسخرية أو النقد الاجتماعي، ويحاكي طريقة عرض الأفلام الوثائقية مثل استخدام مقابلات مع شخصيات وهمية أو لقطات تبدو وكأنها تسجيلات حقيقية.
يدور مسلسل The Paper داخل غرفة تحرير جريدة محلية متداعية تحمل اسم The Truth-Teller، حيث تتقاطع الطموحات الشخصية مع التحديات المهنية، في زمن تتعرض فيه الصحافة الورقية لانكماش مستمر.
بطولة المسلسل يتصدرها دومنال جليسون في دور “نيد سامبسون”، المحرر الجديد الذي يملك رؤية رومانسية مثالية عن الصحافة، إلى جانب الممثلة الإيطالية سابرينا إمباتشاتور في دور “إزميرالدا جراند”، الشخصية الماكرة والساخرة التي تحلم بالنجومية أكثر مما تهتم بالتحقيقات.
رومانسية الصحافة
تحدث جليسون في المؤتمر عن تجربته في التحضير للدور، مؤكداً أنه سافر إلى عدة مدن في ولاية أوهايو ليتعرف على الصحفيين المحليين، ويعايش بيئة التحرير عن قرب، وقال إن ما ألهمه هو “إصرار الصحفيين الشباب على دخول صناعة توصف بأنها تحتضر”، معتبراً أن ذلك الإيمان الصلب كان جوهر شخصيته في العمل.
وأضاف أن “نيد سامبسون” يطل برؤية رومانسية للصحافة تشبه علاقة الحب الأولى: وردية، مثالية، لكنها تصطدم بالواقع الصعب، وأوضح أن الشخصية تمر بأزمة منتصف العمر، إذ يختار العودة إلى مهنته القديمة بوصفها نوعاً من البحث عن الحقيقة والوفاء لأول حب في حياته، بدلاً من الانغماس في ممارسات استهلاكية مثل شراء سيارة فارهة.
ورداً على سؤال “الشرق”، تحدث جليسون عن أثر أسلوب “الموكومنتري” على الأداء، مشيراً إلى أن شعور الممثل بأن كل حركة مراقبة بالكاميرا يغيّر من طبيعة التمثيل، ويزيد من التوتر الدرامي، وهو ما انعكس على بناء الشخصية.
بين المكر والكوميديا
من جهتها، أبدت سابرينا إمباتشاتور حماسة لابتكار شخصية مختلفة جذرياً عن دورها السابق في The White Lotus، وأكدت أنها استلهمت “إزميرالدا جراند” من شخصيات كرتونية مثل “تويتي بيرد”، حيث تسعى دوماً للبقاء بأي وسيلة، مستخدمة كل ما تملكه من أدوات أنثوية أو مكر شخصي.
وكشفت أن تجربتها في تجارب الأداء كانت مليئة بالدراما والارتجال، حتى أنها كادت تعتذر عن الدور لشعورها بعدم القدرة على الوصول إلى مستوى نجوم The Office. لكنها فاجأت صنّاع العمل بعفويتها، ليقرروا على الفور منحها الدور الذي وصفته بأنه “قدر” أكثر من كونه مجرد صدفة مهنية.
وأكدت أن هدفها كان أن تصنع من إزميرالدا شخصية أيقونية يسهل على الجمهور تقليدها في حفلات الهالوين مثلاً، عبر ملامح واضحة كالأظافر الطويلة والملابس اللامعة وتسريحات الشعر المبالغ فيها.
تحية للصحافة
في الجزء الأخير من المؤتمر، تحدث الصنّاع جريج دانيلز ومايكل كومان عن دوافع العودة إلى أسلوب “الموكومنتري” بعد النجاح الهائل لـ The Office.
أوضح دانيلز أن الفكرة ولدت من ملاحظة |التشابه بين بيع الورق كسلعة في شركة مثل دنـدر ميفلن وبين النظر إلى الصحافة الورقية اليوم باعتبارها صناعة متداعية”، مضيفاً أن المسلسل يحمل في جوهره تحية لدور الصحافة في الديمقراطية.
أما كومان، فأكد أن قوة المشروع تكمن في واقعيته: “لو كان وثائقياً حقيقياً عن جريدة محلية، لكنا شاهدناه”. واعتبر أن العمل يتيح للجمهور متابعة شخصيات غير محترفة تدخل عالم الصحافة لتتعلم أساسيات المهنة، وهو ما يفتح الباب أمام مواقف كوميدية وأخرى أخلاقية مرتبطة بمفاهيم الحقيقة والأكاذيب.
كلاهما شدد على أن اختيار دومنال جليسون كبطل رئيسي منح المشروع توازناً بين الطابع المثالي والجانب الهزلي، فيما وصفا حضور سابرينا إمباتشاتور بأنه “قوة طبيعية قلبت الموازين”.
الصحافة على الشاشة
لا يعتبر The Paper أول عمل درامي يتناول عالم الصحافة، فعبر العقود، شكلت غرف الأخبار مصدر إلهام للعديد من المسلسلات التي مزجت بين الترفيه والتحقيق في مصير الحقيقة.
من أبرز هذه الأعمال The Newsroom أعوام (2012 – 2014) الذي قدّمه آرون سوركين، وركز على أخلاقيات العمل التلفزيوني، وLou Grant (1977 – 1982) الذي يُعد من أقدم النماذج التي جمعت بين الدراما والعمل الصحفي. كذلك، حقق المسلسل البريطاني Press عام (2018) حضوراً لافتاً عبر تصوير الصراع بين الصحافة الشعبية والصحافة الجادة، فيما عالج The Morning Show (منذ 2019) قضايا الإعلام التلفزيوني المعاصر في زمن الفضائح والحركات الحقوقية.
اليوم، يأتي The Paper ليضيف إلى هذا التراث منظوراً كوميدياً جديداً، يوازن بين نقد الواقع والاحتفاء بجوهر الصحافة كفعل مقاومة للزمن.