
كتب رئيس المجلس الوطني للإعلام الأستاذ عبد الهادي محفوظ:
ما ينتظر لبنان الرسمي والشعبي “إشارة أميركية إيجابية” باتجاه لبنان. وما يعترض مثل هذه الإشارة حتى الآن هو أن واشنطن تتمنى على تل أبيب أن تكون “أكثر لطفًا” في الجنوب اللبناني، غير أنها، على لسان مبعوثها توم باراك، تُعرب عن أنها “لا تستطيع شيئًا مع إسرائيل”.
“شراء الوقت” هو سياسة كل الذين يتعاطون بالشأن اللبناني. وحدها، في البداية، كانت السلطة اللبنانية مستعجلة لتنفيذ “الورقة الأميركية”. غير أنها أدركت، متأخرة، ضرورات التريث لأسباب كثيرة، منها أن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها للالتزام بـ”الورقة الأميركية”، وأنها تتوسّع في الجغرافيا اللبنانية، وتضيف “نقاطًا أمنية” جديدة في الجنوب اللبناني، وتُطلق قذائف أرض-أرض، وتَحول دون إعادة ما تهدّم، وتستمر في عملية الاغتيالات. هذا أولًا.
وثانيًا، محاولات الإيحاء الأميركية للسلطة اللبنانية بتلازم المسارين اللبناني والسوري لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، والالتحاق بـ”المسار الإبراهيمي”، تعترضها عوائق كثيرة ترتبط بالوضع المأزوم في كل المنطقة، وبحاجة نتنياهو واليمين الديني اليهودي إلى الاستمرار بخوض ما يسمّيه رئيس الحكومة الإسرائيلية “بالحروب السبعة”، استكمالًا لسياسات الهيمنة الإسرائيلية العسكرية، خلافًا لنظرية شمعون بيريز بأن “الشرق الأوسط الجديد يصنعه السلام بين دول المنطقة”.
وثالثًا، معرفة واشنطن أن زيارة رئيس مجلس الأمن القومي في إيران، الدكتور علي لاريجاني، إلى لبنان، كانت رسالة للولايات المتحدة الأميركية بأن طهران لن تترك حزب الله وحيدًا في أية مواجهة عسكرية، وأنها مستعدة لحرب شاملة. هذه “الرسائل” قرأها بتمعّن “صنّاع القرار” في البيت الأبيض، فكان كلام توم باراك في لبنان بأن إيران هي “حليف استراتيجي”. وهذا معناه أنها تُؤثِر الحوار مع طهران حول الملف النووي وغيره، بما فيه الملف اللبناني.
ورابعًا، حكمة قائد الجيش، العماد رودولف هيكل، الذي يعطي الأولوية إلى التفاهم والحوار مع حزب الله على المواجهة. وهو يملك تحفظات مبطّنة على “الورقة الأميركية”، التي لا تتضمن ضمانات أميركية بشأن الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس، ومن الحائط الأمني، ومن النقاط الجديدة التي يتم امتلاكها، ولا بشأن وقف الاعتداءات الإسرائيلية والاغتيالات، ولا بموضوع الأسرى اللبنانيين في إسرائيل. والمعروف عن قائد الجيش هيكل أنه صريح وواضح لناحية عدم استعداده إطلاقًا لأن يكون سببًا في فتنة أهلية لبنانية لا تُبقي ولا تذر.
وخامسًا، التوتر الضمني في العلاقة بين الرؤساء الثلاثة حول عدم تأجيل الجلسة الحكومية ليومين، التي تم فيها إقرار “الورقة الأميركية”، وإحالة أمر تنفيذها إلى المؤسسة العسكرية. فمحاولات ترميم هذا التوتر جاء لاحقًا على الاستنتاج أن الإدارة الأميركية أخذت ورقة الالتزام الرسمي اللبناني والعربي والدولي، وتترك الوضع اللبناني ليكون أكثر تآكُلًا في جانبه الاقتصادي المتردّي، والسياسي المتوتر، وبالشروط الصعبة لإعادة الإعمار، وبحاجة هذا الوضع للإفراج الأميركي عنه بالاستجابة للمطالب الأميركية الكثيرة، التي هي على علاقة بالغاز، والمصارف اللبنانية، والاستثمار، والشركات الأميركية، وبالرغبة الأميركية بأن يكون لبنان منصة لإدارة شؤون المنطقة. وهذا يتطلّب “مخارج أميركية” معقّدة، من ضمنها استيعاب قسم كبير من عناصر حزب الله في المؤسسة العسكرية، من ضمن “تفاهمات أوسع” مع إيران، وبدورٍ ما لحزب الله سياسيًا وفي إطار الدولة اللبنانية.
عقلانية وبراغماتية المكونات اللبنانية، بما فيها السلطة السياسية، من الضرورات. فمن الخطأ القاتل إسقاط ما يتوهّمه البعض في السلطة وخارجها من أفكار، على أن هذا ما تفكر به واشنطن وتسعى لتنفيذه. فالأوهام تبقى أوهامًا قاتلة وضارة.