
في ظل التحولات المناخية المتسارعة، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، يواجه لبنان ومعه عدد من دول المنطقة أزمة مياه متفاقمة، باتت تُهدد الأمن المائي والغذائي، وحتى الاجتماعي لملايين السكان. ورغم وفرة الموارد المائية نسبيًّا في بعض الدول، فإن الجفاف، وسوء البنية التحتية، وتلوث المياه، والصراعات السياسية تضع المنطقة على حافة العطش الجماعي، إذا لم تُتخذ خطوات حاسمة وفورية.
لطالما افتخر اللبنانيون بأن بلدهم غني بالموارد المائية، إذ يضم أكثر من 40 نهرًا وينابيع طبيعية موزعة على مختلف المناطق. لكن هذا الواقع تغيّر كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، إذ باتت معظم المناطق اللبنانية تعاني من انقطاع المياه لفترات طويلة، ما دفع المواطنين للاعتماد بشكل شبه كامل على الصهاريج، التي تُشكل عبئًا ماليًّا كبيرًا وسط أزمة اقتصادية خانقة.
هنا لا بد من الإضاءة على أن أزمة المياه في لبنان تعود إلى جملة من الأسباب، أبرزها:
تهالك البنية التحتية، حيث إن أكثر من 40% من المياه النظيفة تُهدر في شبكات توزيع قديمة ومهترئة، إضافة إلى أن مجاري الصرف الصحي غير المعالجة تصب في الأنهار والينابيع، ما يجعلها غير صالحة للشرب.
وما يزيد الطين بلة هو تراجع تساقط الأمطار، إذ إن التغير المناخي أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الهطول خلال السنوات الأخيرة.
وفوق كل هذا، يأتي غياب السياسات المائية الفعّالة، حيث لا توجد استراتيجية وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية، بل تتسم بالعشوائية والفساد.
نشير هنا إلى أن أزمة المياه في لبنان ليست حالة معزولة، بل هي جزء من أزمة أوسع تطال الشرق الأوسط برمّته. ففي سوريا، أدى النزاع المستمر إلى دمار البنى التحتية وانخفاض الوصول إلى مياه الشرب الآمنة بنسبة تتجاوز 50%. وفي العراق، تسببت السدود التركية والإيرانية، إضافة إلى الجفاف، بانخفاض منسوب نهري دجلة والفرات إلى مستويات غير مسبوقة.
أما في الأردن، فقد أعلنت الحكومة في عدة مناسبات أن البلاد “على أبواب أزمة مياه وجودية”، حيث يُصنّف الأردن من بين أفقر دول العالم مائيًّا، ويعتمد بنسبة كبيرة على مياه الجوف والأمطار الموسمية.
وتداعيات أزمة المياه لا تؤثر فقط على حياة الأفراد وصحتهم، بل تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فشحّ المياه يؤدي إلى:
ارتفاع نسبة الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة.
تصاعد التوترات بين المجتمعات، خصوصًا في المناطق الريفية والحدودية.
وزيادة الهجرة الداخلية والخارجية بحثًا عن مصادر مياه آمنة.
في هذا السياق، يرى خبراء أن حل أزمة المياه في المنطقة يتطلب: إصلاح البنية التحتية بشكل عاجل، وتبني سياسات إدارة متكاملة للموارد المائية، ونشر الوعي المجتمعي حول ترشيد استهلاك المياه.