
حسين زلغوط
خاص- موقع “رأي سياسي”:

في بلدٍ لم يخرج تمامًا من ذاكرة الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، يُعاد اليوم فتح واحد من أكثر الملفات حساسية وخطورة: “حصرية السلاح بيد الدولة”. الجدل المحتدم حول هذه المسألة عاد إلى الواجهة، مع تصاعد الأصوات السياسية الرافضة لأي سلاح خارج إطار الشرعية، مقابل إصرار “حزب الله” على التمسك بما يعتبره “سلاح المقاومة”.
هذا التناقض الجوهري، والذي تحوّل إلى عنوان للانقسام الوطني، يثير مخاوف متزايدة من احتمالات انفجار داخلي، ولو بصيغ مختلفة عن تلك التي عرفها اللبنانيون في سبعينيات القرن الماضي.
بالتوازي ومع هذا الانقسام حول شرعية السلاح، تشهد الساحة اللبنانية ارتفاعًا ملحوظًا في نبرة الخطاب الطائفي والتحشيد السياسي، ما يُنذر بإعادة إنتاج مناخات مشابهة لتلك التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية.
ففي الأيام الأخيرة، شهدت مناطق عدّة تحركات شعبية متفرقة واشتباكات كلامية بين القوى سياسية، وسط تراشق علني بين زعماء، بلغ حد التلويح “بالرد في الوقت المناسب” و”عدم السماح بتهديد المقاومة”، مقابل مطالبات بتدخل دولي لحصر السلاح بيد الجيش اللبناني.
والخطير في المشهد أن الانقسام حول السلاح لم يعد سياسيًا فقط، بل بات مجتمعيًا وطائفيًا. ففيما يرى جزء من اللبنانيين في “حزب الله” حاميًا للسيادة ودرعًا بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، يرى فيه آخرون تهديدًا مباشرًا للسلم الأهلي، ومصدرًا لاستفزاز مستمر لباقي المكوّنات.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري أن لا عودة للحرب الداخلية فان مصادر سياسية عليمة تؤكد ان لا حرب أهلية بالمعنى الكلاسيكي، ولكن هناك تحوّلات عميقة تجري في بنية المجتمع اللبناني تُنذر بانفجارات متنقلة، قد تكون على شكل فوضى أمنية أو اشتباكات محلية، إذا استمرت الأمور بلا معالجة.
ورغم هذا المشهد الضبابي ما يزال الجيش اللبناني يُنظر إليه على أنه آخر ما تبقى من مظاهر الدولة الجامعة. وأن الرهان الوحيد الباقي هو الحفاظ على وحدة هذا الجيش وعدم توريطه في صراعات داخلية، لأن سقوطه يعني دخول لبنان في فوضى شاملة.
وترى المصادر السياسية انه في غياب توافق داخلي وإقليمي على معالجة ملف السلاح، تستمر الأمور في التدهور التدريجي. لا حلول مطروحة على الطاولة، ولا حوار جدي يمكن أن يخفف حدة الانقسام.
او المفارقة أن الجميع يُجمع على رفض الحرب، لكن لا أحد يبادر فعليًا إلى نزع فتيل الانفجار. فالتاريخ في لبنان لا يكرر نفسه، لكنه لا ينسى. وفي ظل انسداد الأفق السياسي واستمرار لغة التهديد والوعيد، يبدو البلد وكأنه يسير فوق صفيح ساخن، لا يحتاج سوى إلى شرارة، وهو ما يعطي انطباعا أن لبنان لا يعيش حربًا أهلية، لكن يعيش شروطها. الإنهاك الاقتصادي، الانقسام السياسي، والسلاح المتفلّت خارج الشرعية، كلها عوامل تجعل من الانفجار أمرًا ممكنًا، إن لم يكن وشيكًا. وحده التراجع عن خطاب المواجهة والعودة إلى طاولة حوار حقيقي مهما كانت صعبة قد يجنب البلاد تكرار مأساة لن يكون أحد في منأى عن نيرانها.