في ظل التوتر المتصاعد بشأن ملف طهران النووي، يجري وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، محادثات مع نظيريه الصيني والروسي، تركز على مستقبل الاتفاق النووي، واحتمالات تفعيل «الترويكا الأوروبية» آلية «سناب باك»، وسط تقارير متضاربة بشأن موقف موسكو من تخصيب إيران اليورانيوم.
وذكرت وكالات إيرانية رسمية، الاثنين، أن عراقجي وصل إلى العاصمة الصينية بكين، على رأس وفد رسمي للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية «منظمة شنغهاي للتعاون».
وتأتي الزيارة في وقت يتصاعد فيه الجدل داخل إيران بشأن موقفي موسكو وبكين بعد الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي الاثنين، إن «أمن الخليج يحظى بأهمية لدى الصين»، مضيفاً: «زيارة عراقجي تلبية لدعوة رسمية من وزير الخارجية الصيني، للمشاركة في الاجتماع، وسيعقد اجتماعات الثلاثاء على هامش الاجتماع الوزاري».
وقال بقائي إن طهران على تواصل وثيق بروسيا والصين بصفتهما طرفين في الاتفاق النووي، وأضاف: «روسيا والصين أعلنتا دائماً استعدادهما للاضطلاع بدور بنّاء ومساعد في العملية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، ولا يزال هذا المسار مستمراً حتى الآن». وتابع: «لقد أقمنا علاقات ودية مع روسيا والصين، وهما دولتان لدينا معهما شراكة استراتيجية».
وأشار بقائي إلى أن مواصلة المشاورات بين لافروف وعراقجي بشأن العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى آخر التطورات الإقليمية، بما في ذلك الملف النووي الإيراني، ستكون على جدول أعمال اللقاء.
كما أشار بقائي إلى التقارير التي تفيد بطلب روسيا من طهران وقف تخصيب اليورانيوم، قائلاً: «لم نتلقَّ اقتراحاً محدداً من روسيا في الموضوع النووي».
في بكين، أفادت وزارة الخارجية الصينية، في بيان الاثنين، بأن وزيرها، وانغ يي، ناقش مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، القضية النووية الإيرانية إلى جانب قضايا ثنائية ودولية أخرى.
ونددت وزارة الخارجية الروسية، الأحد، بتقرير يفيد بأن الرئيس فلاديمير بوتين حضّ إيران على القبول باتفاق نووي لا يُسمح لها بموجبه بتخصيب اليورانيوم سعت واشنطن إلى إبرامه، وعَدَّته «افتراء».
ونقل موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي عن مصادر قريبة من الملف، السبت، أن بوتين دعا إيران إلى القبول باتفاق مع الولايات المتحدة يحرمها من إمكان تخصيب اليورانيوم.
لكن وزارة الخارجية الروسية قالت الأحد إن ما أورده الموقع «يبدو أنه حملة افتراء سياسية أخرى تهدف إلى مفاقمة التوترات المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني»، مؤكّدة أن موقف روسيا بشأن هذه القضية «معروف جيداً»، وفق ما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وتابعت: «أكدنا مراراً ضرورة حل الأزمة المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني بالوسائل السياسية والدبلوماسية حصراً، وأعربنا عن استعدادنا للمساعدة في إيجاد حلول مقبولة للطرفين».
لكن روسيا، التي وطّدت علاقتها بإيران منذ بدء هجومها على أوكرانيا عام 2022، امتنعت عن الرد بشكل مباشر على مضمون الخبر.
وكانت روسيا الداعمَ الدبلوماسي الرئيسي لإيران لسنوات في مسألة البرنامج النووي. ورغم أن موسكو تؤيد حق إيران في التخصيب علناً، فإن بوتين تبنى موقفاً أشد صرامة في الجلسات الخاصة عقب الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران.
وحثت موسكو الإيرانيين على الموافقة على «صفر تخصيب»، وفقاً لثلاثة مسؤولين أوروبيين ومسؤول إسرائيلي على علم بالمسألة.
وقال مصدران إن الروس أطلعوا الحكومة الإسرائيلية على موقف بوتين إزاء تخصيب إيران اليورانيوم. وقال مسؤول إسرائيلي بارز: «نعلم أن هذا هو ما قاله بوتين للإيرانيين».
وأعرب بوتين عن هذا الموقف في مكالمات الأسبوع الماضي مع الرئيسين؛ الأميركي دونالد ترمب، والفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأضرت الضربات الإسرائيلية والأميركية بشدة بالمنشآت النووية الإيرانية، لكن لم يتضح ما إذا كان قد جرى تدمير اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب، وكذلك ما إذا كانت أجهزة الطرد المركزي نجت من الهجمات.
وأوضح ترمب أنه يرغب في إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران. وأشارت مصادر إلى أنه إذا أجريت مفاوضات في الأسابيع المقبلة، فسيكون عدم تخصيب اليورانيوم في الأراضي الإيرانية أحد المطالب الرئيسية للولايات المتحدة.
وجددت إيران، الاثنين، تحذيرها القوى الأوروبية من تفعيل آلية «سناب باك»، التي من شأنها إعادة فرض العقوبات الدولية السابقة على طهران. ورغم أن روسيا والصين لا تستطيعان استخدام «حق النقض (الفيتو)» لتعطيل الآلية مباشرة ضمن إطارها القانوني الحالي، فإن محللين إيرانيين أشاروا في الأيام الأخيرة إلى مساعٍ دبلوماسية تبذلها طهران لإقناع موسكو وبكين بالانسحاب من الاتفاق النووي، في خطوة تهدف إلى تقويض فاعلية «سناب باك».
وفي هذا السياق، قال الدبلوماسيان الإيرانيان السابقان، سيروس ناصري ونصرت الله تاجيك، لصحيفة «اعتماد» الإصلاحية، إن انسحاب إيران وحدها من الاتفاق لن يكون ذا أثر كبير في تعطيل الآلية، «بل سيكون تأثيره ضعيفاً أو منعدماً. غير أن انسحاب روسيا أو الصين، أو كليهما، يمكن أن يفتح منفذاً قانونياً وسياسياً لتعطيل تطبيق الآلية، بشرط أن تعلن هاتان الدولتان رسمياً في مجلس الأمن أنهما خرجتا من الاتفاق، وأن لهما، بناء على ذلك، الحق في استخدام (الفيتو) ضد إعادة فرض العقوبات، وهو ما سيقود إلى مواجهة قانونية وسياسية تتطلب صدور قرار أممي يكرّس هذا الموقف».
وعمّا إذا كانت موسكو وبكين ستقبلان بخوض هذه المواجهة مع الغرب، قال المحللان إن الأمر يعتمد على الإرادة السياسية لدى الجانبين الروسي والصيني، وعلى مدى جدية إيران في التنسيق والعمل معهما لكسب تأييد غالبية الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن لدعم هذا التوجه.
واقترح المحللان أن يطرح الموضوع بسرعة على المسؤولين الروس ومطالبتهم الجادة بالانسحاب من الاتفاق النووي وبدء تنفيذ الخطة… «ومن ثم إطلاع الصين على الخطة ودعوتها إلى الانضمام الكامل للعملية، قبل إبلاغ الدول غير الدائمة في مجلس الأمن (مثل باكستان والجزائر… وغيرهما) والحصول على دعمها الموقف».
وتشمل المقترحات «تفعيل الدبلوماسية متعددة الأطراف، مثل استخدام قنوات (بريكس)، و(حركة عدم الانحياز)، و(منظمة التعاون الإسلامي)… ودول أخرى؛ لإقناعها بدعم روسيا والصين ورفض آلية (سناب باك)».
وبعد تنفيذ الخطوات وفقاً للمقترح، «يُبلغ الأوروبيون أن تفعيل الآلية سيواجه مشكلات، وأن معارضة عضوين دائمين، ودعم غالبية غير الدائمين، في مجلس الأمن، سيضعفان أثر العقوبات». وعليه؛ «يُفضَّل إلغاء الموضوع أو تأجيله لحين اتضاح نتائج المسار القانوني الإيراني ضد أميركا وإسرائيل بشأن الهجوم على منشآتها النووية».