
في خضمّ الحروب والنزاعات المسلحة، بينما تتساقط القذائف وتنهار البنى التحتية، ثمة جبهة صامتة لا تقلّ خطورة، يدفع فيها الصحافيون أرواحهم ثمنًا للحقيقة. هؤلاء الجنود المجهولون لا يحملون السلاح، بل الكاميرا والقلم، ومع ذلك يصبحون هدفًا مباشرًا أو ضحايا جانبيين، في صراع باتت تغطية أخباره مهنة محفوفة بالموت.
في السنوات الأخيرة، تزايدت الانتهاكات بحق الصحافيين في مناطق النزاع، لا سيّما في فلسطين وسوريا وأوكرانيا واليمن وأفغانستان، حيث تحوّل العديد منهم إلى “أرقام” في سجلات الضحايا، أو معتقلين في سجون سرّية.
وبحسب تقارير منظمة “مراسلون بلا حدود”، قُتل أكثر من 1,700 صحافي حول العالم خلال العشرين عامًا الماضية، معظمهم أثناء تغطيتهم للحروب. عام 2023 وحده شهد مقتل أكثر من 70 صحافيًّا، العديد منهم في قطاع غزة، حيث تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام العنف المفرط ضد الإعلاميين، رغم وضوح هوياتهم الصحافية.
ورغم تكرار الانتهاكات بحق الصحافيين، غالبًا ما تمرّ هذه الجرائم دون عقاب، إذ يفلت الجناة من المساءلة القانونية، في ظلّ عجز المنظمات الدولية عن ردع هذه الاعتداءات أو تقديم الجناة إلى العدالة.
وفي كثير من الحالات، تُغلق التحقيقات لأسباب “أمنية” أو “عسكرية”، بينما تبقى العائلات تنتظر إنصافًا لا يأتي.
وحدها منظمات حقوق الإنسان والصحافة العالمية تطالب دائمًا بضرورة فرض آليات لحماية الصحافيين في مناطق الحروب، وتفعيل قوانين المحاسبة الدولية، لا سيّما اتفاقيات جنيف التي تنصّ على حماية المدنيين، ومن ضمنهم الصحافيون.
والسؤال: إلى متى سيبقى الذين يسهرون على توثيق الحقيقة، يموتون بالرصاص، فيما أصواتهم، وصورهم، وتقاريرهم، تبقى شاهدة على زمنٍ حاول البعض فيه أن يدفن الحقيقة معهم؟