
جنيف – حسين زلغوط
خاص – “رأي سياسي”:
انطلقت في جنيف أعمال الدورة الـ113 لمؤتمر العمل الدولي، التي تنظمها منظمة العمل الدولية، بمشاركة وفود من 187 دولة، يمثلون “ثلاثية الشراكة” الأساسية: الحكومات، وأصحاب العمل، والعمال. ويُعدّ هذا المؤتمر منصة عالمية لمناقشة قضايا العمل الأكثر إلحاحًا، من ظروف العمل العادلة إلى اقتصاد المنصات، مرورًا بالعدالة الاجتماعية والحماية من المخاطر في بيئة العمل.
شارك وفد لبنان الرسمي، الذي ضمّ ممثلين عن وزارة العمل والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، في جلسات المؤتمر، حيث أكّد على التحديات التي تواجهها سوق العمل اللبنانية في ظل أزمات اقتصادية متتالية، وهجرة الكفاءات، وغياب الاستقرار.
ودعا الوفد إلى تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاقها لتشمل القطاع غير المنظم، الذي بات يشكّل نسبة كبيرة من القوى العاملة، مشدّدًا على أهمية الدعم الدولي في هذا السياق، لا سيما من قبل منظمة العمل الدولية. كما أعرب عن التزام لبنان بتنفيذ التوصيات المتعلقة بتوفير العمل اللائق، وتحديث التشريعات بما يضمن مبدأ الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج الثلاثة.
في الجلسة الافتتاحية، عرض المدير العام لمنظمة العمل الدولية تقريرًا صادمًا كشف فيه أنّ أكثر من 4 مليارات إنسان حول العالم ما زالوا خارج أيّ شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، محذرًا من اتساع الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة. ودعا إلى “تحالف عالمي من أجل العدالة الاجتماعية”، يُبنى على مبادئ التضامن الدولي وتكافؤ الفرص، مشيرًا إلى أنّ “العمال ليسوا مجرد أرقام اقتصادية، بل صانعو الاستقرار والتنمية”.
وقد تناولت دورة هذا العام عدة قضايا مفصلية، من بينها:
العمل اللائق في اقتصاد المنصات الرقمية، حيث شدّد المشاركون على أهمية تنظيم هذا النوع من العمل، الذي يفتقر غالبًا إلى عقود واضحة أو ضمانات اجتماعية، وضرورة سنّ تشريعات تحمي عمّال التطبيقات والمنصات من الاستغلال.
الحماية من المخاطر البيولوجية في بيئة العمل في ظل الأوبئة والتهديدات الصحية المتزايدة، حيث جرى التأكيد على اعتماد سياسات وقائية متقدّمة تضمن سلامة العمال في مختلف القطاعات، لا سيما الصحية والصناعية.
وكانت فلسطين حاضرة في مداخلات الوفود العربية، ومن بينها وفد لبنان، على الانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها العمال الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. وجرى تقديم تقرير خاص يوثّق ظروف عملهم القسرية، والقيود التي تعيق حركتهم اليومية. وطالبت الدول العربية بتشكيل لجنة دولية لمتابعة الأوضاع ميدانيًا وتقديم الحماية القانونية.
ومن المتوقّع أن يصدر عن المؤتمر مجموعة من التوصيات، تشمل:
تعزيز التشريعات الخاصة بالاقتصاد الرقمي.
تقوية أنظمة الحماية الاجتماعية في الدول النامية.
مكافحة العمل الجبري والاستغلال الاقتصادي.
تطوير آليات الحوار الاجتماعي.
تقديم دعم فني وتقني للدول الخارجة من الأزمات، كلبنان، لمساعدتها على إنعاش سوق العمل.
ولقد أثبتت الدورة الـ113 من مؤتمر العمل الدولي، مرة جديدة، أنها ليست مجرد اجتماع تقني، بل منبرٌ عالمي يُسمَع فيه صوت الشعوب العاملة، من بيروت إلى رام الله، ومن داكار إلى ساو باولو. ويبقى التحدي الأساسي في ترجمة التوصيات إلى سياسات واقعية تضمن الكرامة لكلّ عامل، في ظلّ عالم يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة.