
حسين زلغوط
خاص: موقع “رأي سياسي”:

مع كل دورة سياسية أو تغيير في موازين القوى داخل الحكم في لبنان، يعود إلى الواجهة ملف التشكيلات الدبلوماسية الذي طالما شكّل انعكاسًا دقيقًا للواقع السياسي في البلاد. فبعد فترة من الجمود والتأجيلات، يبدو أن مؤشرات عدة بدأت تُشير إلى اقتراب ساعة الحسم، وسط ترقّب واسع من قبل الأوساط الدبلوماسية والسياسية على حد سواء.
وفق مصادر سياسية مطّلعة، فإن تحركات مكثفة بدأت خلال الأسابيع الماضية بين المقرات الرئاسية، وفي وزارة الخارجية، بهدف إعادة تنشيط ملف التشكيلات الدبلوماسية الذي جُمّد طويلاً بفعل الانقسامات السياسية والتوازنات الطائفية والحزبية الدقيقة التي تحكم التعيينات في السلك الخارجي.
واللافت أن هذه التحركات لا تقتصر فقط على الشق الإداري، بل تتداخل معها اعتبارات سياسية، خصوصًا مع تصاعد الحديث عن إعادة تموضع إقليمي ودولي، ما يجعل اختيار السفراء وممثلي الدولة في الخارج أداة سياسية لا تقل أهمية عن الداخل.
وفي خضم هذه المعطيات، تشير تسريبات دبلوماسية إلى وجود ضغوط دولية غير معلنة لحسم الملف، خصوصًا في بعض الدول الكبرى التي تنتظر تعيين سفراء جدد يمكنهم مواكبة مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، بعد سنوات من الجمود أو الفتور. ويؤكد مطلعون على هذا الملف أن التأخير في هذه التعيينات أضرّ بصورة الدولة خارجيًا، إذ ترك عدد من السفارات بدون رؤساء بعثات لفترات طويلة.
وفي الداخل تواجه الحكومة تحديات جمّة في هذا الصدد، أبرزها التوفيق بين مبدأ الكفاءة المهنية ومتطلبات التوازن السياسي والطائفي، وهو ما أخر البت في لوائح الأسماء النهائية التي عادة ما تُخضع لشدّ وجذب بين الأفرقاء المعنيين.
ولكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم: هل نحن أمام تشكيلات دبلوماسية شاملة تشمل غالبية البعثات، أم سيجري الاكتفاء بتعديلات جزئية تطال المواقع الأكثر إلحاحًا؟ في هذا السياق، ترجّح بعض المصادر أن يتم اللجوء إلى حل وسط، عبر تمرير دفعة أولى من التعيينات تشمل سفارات في دول محورية، بانتظار توافق أوسع على دفعات لاحقة، وإذا ما تم إقرار التشكيلات في المدى القريب، فإن الانعكاسات ستكون متعددة الأوجه. فمن جهة، ستحقق وزارة الخارجية نقلة تنظيمية تمكّنها من استعادة فعاليتها، ومن جهة أخرى، قد يشكل هذا التطور مؤشراً على نضج التوافق السياسي الداخلي ولو بحدّه الأدنى.
لكن في المقابل، يحذّر البعض من أن تمرير التعيينات على قاعدة المحاصصة قد يفوّت على البلاد فرصة إعادة بناء دبلوماسية فاعلة تستند إلى الكفاءة والاحتراف، وهو ما تحتاجه البلاد أكثر من أي وقت مضى في ظل التحديات الإقليمية والتحولات الدولية.
خلاصة القول: ان التشكيلات الدبلوماسية قد تكون أقرب من أي وقت مضى، لكن قربها لا يعني بالضرورة نضجها بالشكل الأمثل. بين الضغط الخارجي، والحسابات الداخلية، يقف هذا الملف على مفترق طرق. وفي حين يأمل الكثيرون بأن يشكّل إنجازه خطوة إيجابية نحو استعادة الدولة لمقوماتها، فإن الأمل الأكبر يبقى في اعتماد معايير الجدارة والمصلحة الوطنية بعيدًا عن لغة المحاصصة التي أثقلت كاهل المؤسسات على مدى عدة عقود مما جعل لبنان يدفع أثماناً باهظة.