السفير الإيراني لدى السعودية: الرياض لعبت دوراً فاعلاً لمنع التصعيد
في الخامس من سبتمبر (أيلول) 2023، حطّ الدكتور علي رضا عنايتي رحاله في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، ليتسلّم مهامه سفيراً لإيران لدى السعودية، في أعقاب اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية الذي وُقّع في العاشر من مارس (آذار) من العام نفسه، برعاية صينية، بعد انقطاع دام نحو سبع سنوات.
وبعد مضي قرابة عامين على إعادة التواصل الدبلوماسي بين الرياض وطهران، يرى السفير عنايتي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن ما تحقق خلال هذه الفترة «يعادل إنجاز سنوات»، عازياً ذلك إلى «قوة وجوهر العلاقات» بين البلدين.
واعتبر الدبلوماسي الإيراني الموقف السعودي من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على بلاده «مشرفاً»، مشيراً إلى أن الرياض لعبت دوراً فاعلاً في تهدئة الأوضاع والضغط لتفادي التصعيد. وقال: «نرحب بأي دور لإخواننا في المملكة، خاصة سمو الأمير محمد الذي كان دائماً معنا».
يحمل السفير الإيراني سجلاً طويلاً من العمل في السعودية؛ إذ تعود بداياته إلى عام 1990 حين شغل منصب قنصل لبلاده في جدة، قبل أن يُعيَّن قائماً بالأعمال في الرياض مطلع الألفية، ليعود بعد أكثر من عقدين سفيراً في 2023، حاملاً معه خبرات متراكمة في الشأن الإقليمي.
اعتداءات «سافرة» على إيران
وصف السفير الإيراني الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على بلاده بأنها «سافرة»، موضحاً أن طهران كانت منخرطة حينها في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة. وقال: «هوجمت إيران منتصف الليل في حين كان الناس نائمين في بيوتهم، واستُشهد من استُشهد. هذا اعتداء سافر بكل معنى، ورأينا من حقنا المشروع، وبناءً على ميثاق الأمم المتحدة، أن نرد الصاع صاعين، ونُري العدو أن إيران لا تدخل في الحرب، لكنها تدافع عن نفسها بقوة وصمود».
تماسك دول الإقليم
قال عنايتي إن ردود الفعل الإقليمية على الهجمات الإسرائيلية عكست تماسكاً واضحاً، مشيراً إلى أن أول اتصال تلقاه وزير الخارجية الإيراني جاء من نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان لإدانة «الاعتداء السافر»، تلاه بيان من «الخارجية» السعودية. وأضاف: «تُوجّت هذه المواقف المشرفة باتصال هاتفي من سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بالرئيس بزشكيان لإدانة واستنكار الاعتداءات، وبعد ذلك اتصال من الرئيس بزشكيان بأخيه الأمير محمد، إلى جانب مواقف عدة من دول مجلس التعاون تجاه الجمهورية الإسلامية».
محمد بن سلمان «دائماً معنا»
أشاد السفير بالجهود السعودية الأخيرة للتهدئة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، قائلاً: «هذه جهود مباركة ورحبنا بها، ونرى أن للمملكة دوراً في تهدئة المواقف والأمور، والضغط لمنع الاعتداءات، وهذا دور مشرّف. وفي الحوارات والاتصالات واللقاءات الثنائية، أكدت إيران دور المملكة ومواقفها المشرفة؛ من تنديد بالاعتداءات، وتوظيف الجهود لمنع هذا الاعتداء. وأيضاً نرحب بأي دور لإخواننا في المملكة، خاصة سمو الأمير محمد الذي كان دائماً معنا».
400 ألف إيراني زاروا السعودية
أوضح الدكتور عنايتي أن العلاقات شهدت تقدماً كبيراً منذ عودتها، مشيراً إلى أن ما تحقق خلال عامين يعادل منجزات عدة سنوات، وأضاف: «ما جنيناه من هذه العلاقات طوال العامين لا أحد يتخيل أنه تحقق في سنتين، بل في عدة سنوات، وكأن العلاقات لم تُقطع، وهذا يدل على جوهر وصميم هذه العلاقات».
وقال السفير: «هذه السنة، أكثر من 200 ألف معتمر إيراني جاءوا، ولو أضفنا عدد الحجاج أيضاً فسيكون هناك 400 ألف إيراني زاروا المملكة خلال عام، وهذا مؤشر إيجابي جداً. كل هذه الأعداد جاءت للمملكة وتعرفت عليها عن كثب».
زيارة خالد بن سلمان
علّق السفير على زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، قائلاً: «إيران اعتبرتها زيارة سيادية ومهمة جداً، ونقطة انعطافة تاريخية في العلاقات». وأضاف: «هذه الزيارة ولقاء سموه بالرئيس بزشكيان، وسماحة المرشد، ولقاؤه برئيس هيئة الأركان (الذي قضى في الأحداث الأخيرة)، أوجدت انطباعاً بين الطرفين أننا شركاء في بناء الإقليم، والانطباع للطرف الإيراني كان جداً رائعاً».
وتابع: «مخططون لأن نكمل ما يترتب على هذه الزيارة، ونرى أنها ساعدت العلاقات الإيرانية – السعودية أن تدخل من علاقات روتينية إلى علاقات جذرية».
العلاقات والتطلعات
يرى السفير عنايتي أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بحاجة إلى المزيد من الجهود لتعزيزها، مبيناً أن هناك اتفاقيات قيد البحث والدراسة. وقال: «لدينا الاتفاقية العامة للتجارة والاقتصاد والاستثمار والثقافة والشباب والرياضة، وقد تم التأكيد عليها في اتفاق بكين، وهناك اتفاقية ثانية لتفادي الازدواج الضريبي تمت مناقشتها والتوقيع عليها بالأحرف الأولى، وتقدمنا بمشروع اتفاقية لدعم وتشجيع الاستثمار المتبادل، واتفاقية للنقل البري يمكنها أن تلحق المملكة والإمارات وسلطنة عمان بالضفة الشمالية وتصبح ممراً لآسيا الوسطى».
وعن دور بلاده في الإقليم قال الدكتور علي رضا عنايتي إن طهران تؤيد نموذجاً للأمن الإقليمي يستند إلى التنمية والاقتصاد والثقافة، وليس إلى القوة العسكرية. ورداً على سؤال حول نظرة البعض لدور إيران كعامل زعزعة، قال: «نحن لسنا دخلاء على الإقليم لنلعب دوراً ونحمله عليه، نحن جزء من الإقليم ومن أبنائه ونعيش فيه».
وأضاف: «لدينا مشتركات ثقافية وتاريخية ودينية كثيرة في المنطقة، وإذا ما حدث أي اختلاف في بعض الرؤى السياسية، فلا يفسد للود قضية. هذا الاختلاف يمكن تداركه بآلية وحيدة وهي الحوار، وليس هناك سبيل أفضل – بل لا بديل عنها – لما يحصل بين أخ وأخ، بين جار وجار، بين قضية وأخرى».
وأكد أن «أمننا الجماعي واحد. لا يمكننا الحديث عن الأمن المجزّأ. نحن نردد ونكرر ما نسمع من الإقليم: الأمن المبني على التنمية. نحن مع هذه اللافتة. عندما يُبتعد عن الأمن القائم على العتاد والذخائر والعسكرة، والجيوسياسة والسياسة، يمكن استبدال بذلك الأمن المرتكز على التنمية والاقتصاد والتجارة والثقافة والشعوب».