حسين زلغوط – خاص “رأي سياسي”:

رغم جرعات التفاؤل التي ضخّها المبعوث الأميركي توم برّاك خلال اليوم الأول من زيارته بيروت، غير أنه رفض إعطاء المسؤولين اللبنانيين أيّ ضمانات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بل تركزت محادثاته في جزء كبير منها على ملف سلاح “حزب الله”، دون إعطاء أي أهمية لأصوات “المسيّرات” التي كانت تحلّق على علو منخفض في أجواء بيروت، ما فتح باب التساؤلات حول أهداف التحرك الأميركي، وما إذا كانت واشنطن جادّة في إنهاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل.
وتتقاطع معلومات من أكثر من مصدر سياسي عند نقطة واحدة، وهي أن برّاك لم يقدّم خلال محادثاته أي التزام أميركي واضح بلجم الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية، رغم تصاعد الغارات والاستهدافات وسقوط عدد من الشهداء والجرحى.
واللافت أن السفير الأميركي أبلغ محاوريه أن بلاده تتفهّم المخاوف اللبنانية من التصعيد، لكنه شدّد في المقابل على أن الأولوية الآن هي تفادي أي خطوة قد تُفسَّر كتصعيد من الطرف اللبناني، في إشارة مباشرة إلى حزب الله، لأن من شأن حصول ذلك العودة إلى الحرب التي لن يُعرف مداها.
وبحسب المعلومات، قال برّاك صراحة إن واشنطن تعتبر أن الحل يبدأ من التزام الحكومة اللبنانية بالقرارات الدولية، لا سيما القرار 1701، داعيًا إلى تعزيز دور الجيش اللبناني في الجنوب، متجاهلًا كل الخروقات الإسرائيلية التي بلغت الآلاف، في مقابل التزام تام من الجانب اللبناني باتفاقية الهدنة والقرار 1701.
وتؤكد المعلومات أن المسؤولين اللبنانيين عبّروا في اللقاءات المغلقة عن تحفّظهم على ربط الأمن في الجنوب بملف سلاح حزب الله، واعتبروا أن أولوية المرحلة هي وقف الاعتداءات الإسرائيلية واحترام السيادة اللبنانية، طالما أن لبنان التزم بكل ما تعهّد به، لكن الجانب الأميركي يتحدث وكأن المشكلة تبدأ وتنتهي عند حزب الله، ويتجاهل أن إسرائيل هي من تبادر إلى التصعيد، وتتجاوز كل القرارات الدولية، وتستبيح أجواء لبنان يوميًّا.
في ضوء غياب الضمانات، يزداد القلق من تطوّر المواجهة إلى حرب جديدة، خصوصًا وأن موقف الإدارة الأميركية لا يبدو حياديًّا، بل يعكس انحيازًا واضحًا لإسرائيل، عبر تغطية دبلوماسية وسياسية كاملة لعملياتها العسكرية، وهو ما يعمّق الشعور بأن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يواصل مقاربة الوضع اللبناني من زاوية ضيّقة، متغافلًا عن المعاناة اليومية للمدنيين، ومتجنبًا تحميل إسرائيل مسؤولية التصعيد المستمر.
في المحصّلة، يبدو أن مهمة توم برّاك ليست مجرّد استماع لوجهات النظر أو بحث عن تهدئة عابرة، بل تحمل في طيّاتها أجندة أميركية أكثر عمقًا، هدفها إعادة رسم التوازنات في الداخل اللبناني، وتطويع الورقة الأمنية اللبنانية لمصلحة تسويات إقليمية وغربية.
والخشية الأكبر اليوم، بحسب مصادر سياسية، هي من أن يُلدغ لبنان مرة أخرى من جحر الوعود الأميركية، كما حصل في تجارب سابقة مع الموفدين الأميركيين، حين طُلب منه تقديم تنازلات مقابل “ضمانات” لم تصل يومًا.
والأصعب من كل هذا هو غياب وحدة الموقف الداخلي، الذي يبقي لبنان مكشوفًا أمام خيارات صعبة، لا تحتمل المزيد من الأخطاء.