حسين زلغوط , خاص – “رأي سياسي”

تشهد العلاقات الإماراتية – اللبنانية تحولًا إيجابيًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، مع مؤشرات واضحة على انفتاح دبلوماسي واقتصادي مدروس من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه لبنان، بعد سنوات من التباعد والتوتر السياسي الذي تزامن مع الأزمات اللبنانية المتعددة. فهل يشكّل هذا الانفتاح بداية لمرحلة جديدة من الشراكة والدعم الخليجي؟ وما دلالاته في السياقين المحلي والإقليمي؟
لطالما كانت العلاقات بين الإمارات ولبنان علاقات متينة تقوم على أسس اقتصادية وإنسانية وثقافية صلبة. فقد لعبت الجالية اللبنانية في الإمارات دورًا محوريًا في قطاعات التعليم، الإعلام، والاستشارات، كما ساهمت الإمارات بدعم كبير للبنية التحتية اللبنانية، خاصة بعد الحرب الأهلية، وفي أعقاب عدوان تموز 2006، حيث ساهمت الإمارات بإعادة بناء القرى والمرافق المتضررة، وهي الآن تلعب الدور ذاته لمساعدة لبنان من أزمته الاقتصادية وإعادة إعمار ما تدمّر نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
لكن لا بد من أن نشير إلى أن السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد عام 2011، شهدت فتورًا في العلاقة، نتيجة تصاعد نفوذ حزب الله في القرار السياسي اللبناني، وما تبعه من توترات خليجية – إيرانية انعكست على لبنان. أدّى هذا إلى تراجع التمثيل الدبلوماسي، وتقلّص الاستثمارات، وتجميد بعض أشكال الدعم.
لكن في عام 2023، أعادت الإمارات سفيرها إلى بيروت بعد سنوات من خفض التمثيل، في خطوة وُصفت بأنها ذات دلالة سياسية كبيرة، تؤكد على رغبة أبو ظبي في الانخراط مجددًا في الساحة اللبنانية، ضمن مقاربة واقعية ومنفتحة.
ورُصدت خلال الفترة الماضية عودة نشاط “الهلال الأحمر الإماراتي” و”مؤسسة خليفة الإنسانية” في مشاريع إغاثية وصحية في مناطق لبنانية مختلفة، من ضمنها دعم المستشفيات وتوزيع مساعدات غذائية في طرابلس والبقاع وصيدا.
وتعتمد الإمارات سياسة خارجية تقوم على الحضور الناعم، والانفتاح على القوى المتعددة، بما في ذلك دعم الاستقرار في الدول ذات الأهمية الجيوسياسية. ولبنان، برغم أزماته، ما زال نقطة ارتكاز ثقافية ومالية في المشرق العربي.
كما أن الإمارات تسعى إلى منع مزيد من التدهور في البلدان العربية التي تعاني من أزمات، وهي تدرك أن انهيار لبنان قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، وتعزيز نفوذ قوى غير عربية على البحر المتوسط.
ولا بد من الاعتراف أن الواقع السياسي اللبناني، الذي كان منقسمًا على نفسه، وغياب حكومة إصلاحية جامعة، أعاقا أي استثمار إماراتي وخليجي بشكل عام واسع النطاق، وهذا الأمر ولّد غياب الثقة بين الخليج وبعض الأطراف اللبنانية، مما جعل أي دعم مشروطًا بالإصلاحات والحياد.
وتشير كل المعطيات إلى وجود توجه جدي لتعزيز السياحة الخليجية إلى لبنان، خصوصًا في هذا الصيف، عبر تشجيع الطيران المباشر والاستثمار في الكثير من القطاعات.
نختم لنقول إن الانفتاح الإماراتي على لبنان، والذي ظهر جليًّا في اليومين الماضيين، يحمل في طيّاته رسالة أمل للبنان الذي يواجه الانهيار في بعض القطاعات الحيوية، ورسالة واقعية في الدبلوماسية الخليجية الجديدة. فالإمارات، عبر مقاربتها الهادئة، تراهن على الاستقرار والتنمية، دون أن تغفل عن المعايير السياسية الضرورية لأي شراكة ناجحة. ويبقى على اللبنانيين التقاط هذه اللحظة، وترجمتها إلى فرص تعافٍ حقيقية.