طرحت عملية فوز محمد تكالة برئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تساؤلات عدة بشأن مدى نجاح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، في ترسيخ موقعه بمواجهة خصومه في ليبيا.
ويعدّ تكالة حليفاً للدبيبة، على عكس خالد المشري الذي ينازع على رئاسة «الأعلى للدولة»، ولديه علاقات ممتدة برئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
ويرى متابعون أن فوز تكالة بولاية جديدة في رئاسة «الأعلى للدولة»، جاء ليمنح الدبيبة «دَفعة سياسية كبيرة»؛ قد تعزز قدرته على تعطيل مسار التقارب بين المجلس والبرلمان لتشكيل «حكومة موحدة جديدة» تكون بديلة عن حكومته، لكن هناك من نفى ذلك. ويشير هؤلاء إلى أن ما يعزز نفوذ الدبيبة أيضاً هو «الصمت الأممي والدولي» على اتهامات البرلمان لمسؤولي مصلحة الطيران المدني التابعة لـ«الوحدة» بعرقلة سفر نواب من المنطقة الغربية إلى شرق البلاد، ما حال دون عقد جلسة مخصصة في بنغازي لمناقشة قانون الموازنة الذي تقدمت به حكومة أسامة حمّاد.
هذا الصمت الأممي والدولي أثار انتقادات واسعة في ليبيا، إذ تساءل عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، علي التكبالي، عن «سبب عدم اعتراض البعثة الأممية على هذا السلوك من قبل حكومة الدبيبة وأجهزتها، الذي أعاق النواب عن ممارسة مهامهم وقيّد حرية تنقلهم». وعبّر التكبالي لـ«الشرق الأوسط»، عن قناعته بأن «ما جرى يعزز الشكوك حول أن (خريطة الطريق) التي ستطرحها المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن في الـ21 من الشهر الحالي، ربما لن تكون مرضية لكل فرقاء الساحة».
وأشار إلى أن ما يرشح من مواقف أوروبية «لا يبشّر بحدوث تغيير جذري أو التمهيد لانتخابات قريبة، بقدر ما يميل إلى الإبقاء على الوضع الراهن، لتشككهم في أن أي رئيس وزراء قادم ربما لن يقدم لهم الضمانات ذاتها التي يقدمها الدبيبة فيما يتعلق بحماية وتعزيز مصالحهم في ليبيا».
ومنذ مارس (آذار) 2022، تشهد ليبيا صراعاً على السلطة بين حكومة «الوحدة»، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها برئاسة الدبيبة، وحكومة مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وتتخذ من المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب مقراً لها برئاسة أسامة حماد.
ويرى المحلل السياسي الليبي، إسلام الحاجي، أن الدبيبة حصل مؤخراً على دعم غير مباشر من واشنطن، تجلّى في زيارة المستشار الخاص للرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس، إلى طرابلس أواخر الشهر الماضي، علماً بأن بولس التقى باقي الأطراف السياسية. ويشير الحاجي إلى أن هذا الدعم الأميركي انعكس سريعاً على مواقف القوى المؤثرة في طرابلس، بمن فيهم خصوم الدبيبة من قيادات بعض الأجهزة الأمنية والتشكيلات المسلحة، مثل «جهاز الردع» الذي يسيطر على مطار معيتيقة، لافتاً إلى منع نواب المنطقة الغربية من السفر إلى بنغازي، ما يعني حدوث تهدئة بينهم وبين رئيس حكومة «الوحدة»، ربما لإدراكهم بتحسن وضعه وفق المعادلات المتحركة على الساحة.
وتوقع الحاجي «ألا تخرج خريطة تيتيه، تحديداً في شق تشكيل الحكومة، عن الاستراتيجية الأميركية، التي تتضمن تعزيز الاستثمارات لتحقيق قدر من الاستقرار، والحفاظ على التوازنات بين القوى الليبية، بما يسمح ربما بعودة سيناريو (حكومة موحدة) تضم مختلف الأطراف تحت رئاسة الدبيبة، لحين إجراء الانتخابات».
وكان مجلس النواب اضطر، الثلاثاء الماضي، إلى تأجيل جلسته المخصصة لمناقشة الموازنة العامة لعام 2025، بعد شكاوى 50 برلمانياً ينتمون لغرب ليبيا «منعهم من حضور الجلسة في بنغازي».
من جانبه، يرى عضو المجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن اكتساب أي طرف نقاطاً سياسية «لا يعني أنه أصبح مسيطراً دائماً على المشهد الذي يعرف بتغير تحالفاته».
وقال السويح، لـ«الشرق الأوسط»: «نعم، رئاسة (الأعلى للدولة) حُسمت لتكالة، لكن المجلس يضم أعضاء أصحاب قرار، وقد يتجهون للتنسيق مع أي طرف، أو دعم تغيير الحكومة إذا رأوا أن المصلحة العامة للبلاد تقتضي ذلك». ودعا السويح «المجتمع الدولي، خصوصاً الدول المنخرطة في الملف الليبي، لتحمل مسؤولياتها في دعم خريطة طريق أممية قابلة للتنفيذ، بجدول زمني محدد، مع آليات لمعاقبة المعرقلين للانتخابات».
واختتم السويح محذراً «من خطورة الوضع في ليبيا في ظل تمسك كل طرف بما يسيطر عليه من سلطة؛ دون أن تتوافر قوى أو شخصية يمكنها السيطرة على كامل البلاد».