
حسين زلغوط
خاص “رأي سياسي”:

مع توقيع اتفاق غزة في شرم الشيخ أمس، يدخل الصراع الفلسطيني‑الإسرائيلي منعطفًا جديدًا، عنوانه الظاهري “التهدئة”، لكن مضمونه الحقيقي لا يزال رهن تناقضات عميقة، وحسابات متضاربة، ومخاوف غير معلنة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو هل يمثل الاتفاق تحولًا حقيقيًا في مسار الصراع؟ أم أنه مجرد هدنة مؤقتة تخفي في طيّاتها تفجّرًا قادمًا؟ الأكيد أن ما بعد الاتفاق لن يكون أقل تعقيدًا مما سبقه، فصحيح ان الاتفاق جاء تتويجًا لمفاوضات شاقة، ومراوحات طويلة بين التصعيد والتراجع، وبين الميدان والسياسة وقد تبدو بنوده للوهلة الأولى مبشّرة: وقف إطلاق نار، تبادل أسرى، انسحاب تدريجي، تسهيلات إنسانية، وربما خارطة طريق سياسية لاحقة.
لكن خلف كل بند من هذه البنود كمين سياسي أو أمني، يتهدد بانهيار الاتفاق في أي لحظة، فوقف إطلاق النار مرتبط بإرادة الطرفين وقدرتهما على ضبط الميدان، وهو أمر لا يُضمن وسط واقع شديد التقلب خصوصا من الجانب الإسرائيلي.
أما الانسحاب الإسرائيلي النهائي من قطاع غزة، فهو يبقى مرهونا بمستوى الثقة، ومدى استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية دون ضمانات أمنية مشددة. وفي المقابل، ترى المقاومة الفلسطينية أن أي تراجع دون مقابل سياسي يعني خسارة ميدانية قد تؤثر على مكانتها.
من هنا لا يُمكن النظر إلى الاتفاق كصفقة بين طرفين فقط، بل كعملية متعددة المستويات تعكس تناقضات داخلية معقّدة.
فعلى الجانب الإسرائيلي، تظهر الانقسامات بوضوح بين تيارات كانت تدعو للحسم الكامل وإنهاء ملف غزة بالقوة، وأخرى ترى في التهدئة وسيلة لتحييد الجبهة الجنوبية والتركيز على ملفات داخلية أكثر إلحاحًا.
وفي المقابل، تقف حركة حماس أمام تحديات داخلية لا تقل صعوبة، فهي مطالبة بالحفاظ على “صورة الانتصار”، وفي الوقت ذاته التخفيف من معاناة سكان القطاع، وإعادة الإعمار، ومنع انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يتطلب ضبط الفصائل الأخرى، والسيطرة على الحساسيات الأمنية، وهو أمر ليس مضمونًا في ظل المشهد الفصائلي المتشعب.
وفي رأي مصادر متابعة ان هناك سيناريوهات محتملة يمكن ان نراها مع قابل الأيام ومن بينها:
-تحول تدريجي نحو التهدئة الشاملة، فإذا ما التزم الطرفان بالاتفاق، وتمكّن الوسطاء من احتواء الخروقات المحتملة، قد تتجه الأمور نحو تهدئة مستدامة تفتح المجال أمام ترتيبات سياسية واقتصادية طويلة المدى. لكن هذا السيناريو يتطلب إرادة سياسية ناضجة، وتنازلات مؤلمة، وغطاء دولي فعّال.
ـ هدنة هشة تتخللها اشتباكات محدودة وهو السيناريو الأقرب للواقع ربما يكون هدنة غير مستقرة، تتعرض لخروقات متقطعة، دون أن تنفجر بشكل شامل على غرار ما تفعله اسرائيل في لبنان منذ ان تم توقيع اتفاق الهدنة، وهذا النموذج يمنح كل طرف فرصة للمناورة، لكنه يبقي غزة في دائرة القلق وعدم الاستقرار.
ـ انهيار الاتفاق والعودة إلى المواجهة، بحيث انه إذا تغلبت الحسابات الضيقة على المصلحة العامة، وعجز الطرفان عن احتواء الميدان، فإن العودة إلى التصعيد الشامل تبقى خيارًا مطروحًا، خصوصًا إذا شعر أي طرف بأنه خسر أكثر مما ربح، أو إذا دخل عامل خارجي على الخط ليقلب المعادلة.
في ضوء كل ما تقدم تبقى قضية من يحكم غزة هي السؤال السياسي الأكبر في هذه المرحلة. الاتفاق، حتى وإن التزم به الجميع، لن يحل معضلة الحكم في القطاع، ولا يمكن أن ينجح في ظل استمرار الانقسام بين الضفة والقطاع.
فإسرائيل تريد غزة بلا سلاح، وبلا حماس. وحماس تريد تثبيت موقعها السياسي والعسكري. والسلطة الفلسطينية من جهتها تسعى للعودة إلى غزة من بوابة الشرعية. أما المواطن الغزاوي، فهو الحلقة الأضعف، لكنه العنصر الأهم في أي حلّ حقيقي.