على الرغم من ابتعادها عن الأضواء وندرة ظهورها العلني تبيّن أن تأثير ميلانيا ترمب، السيدة الأولى للولايات المتحدة، كان أكثر عمقاً مما ظنه الكثيرون، بل امتد إلى التأثير المباشر في قرارات محورية على مستوى السياسة الخارجية.
وكشفت صحيفة «تلغراف» البريطانية عن أن ميلانيا كانت عاملاً حاسماً في قرار الرئيس دونالد ترمب بشنّ ضربات جوية على أهداف تابعة للنظام السوري في عام 2017، بعد الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون.
وأفاد مسؤول سابق في البيت الأبيض بأن ميلانيا شعرت بالرعب من مشاهد الأطفال الذين لقوا حتفهم في الهجوم، ونقلت انفعالاتها إلى زوجها بشكل مباشر، مما دفعه إلى التخلي عن وعوده الانتخابية بعدم التدخل في سوريا، وأمر بإطلاق 59 صاروخاً من نوع «توماهوك» باتجاه قاعدة جوية للنظام السوري، في أول استهداف علني أميركي بهذا الحجم خلال الحرب السورية.
وقال المسؤول: «إن ميلانيا تتفاعل مع معاناة البشر بصفتها أمّاً، دون اعتبارات سياسية أو استراتيجية»، مضيفاً أن انطباعاتها الإنسانية «لها صدى واضح لدى الرئيس».
وخلال رحلة جوية من اسكوتلندا على متن طائرة «إير فورس وان»، تحدّث ترمب لصحيفة «تلغراف» عن مشاعر زوجته تجاه مشاهد أطفال غزة الجائعين، قائلاً: «ترى الصور نفسها التي نراها جميعاً. كل من لديه قلب لا يمكنه إلا أن يتألم لما يحدث لهؤلاء الأطفال».
ورغم أن ميلانيا بقيت بعيدة عن الظهور خلال ولاية ترمب الثانية، فإن تساؤلات الصحافة الأميركية تكررت حول غيابها المتواصل عن الفعاليات العامة، وسط تساؤلات عن طبيعة دورها، وهل أدته بشكل جزئي فقط، أم أنه كان أكثر تأثيراً مما بدا.
وفي هذا السياق، قالت أستاذة التاريخ في جامعة أوهايو والمختصة بدور السيدات الأُوَل، البروفسورة كاثرين جيليسون: «إن ميلانيا تؤدي دورها بطريقة غير تقليدية، وربما يكون لها تأثير أكبر على تفكير زوجها مما يتوقعه الجمهور».
وتُعرف ميلانيا بأسلوبها الخاص في التعاطي مع السياسة والإعلام، فعلى الرغم من خلفيتها في عرض الأزياء، وتاريخها المختلف عن باقي السيدات الأُوَل، فإنها لم تتردد في اتخاذ مواقف علنية تخالف سياسات البيت الأبيض.
ففي عام 2018، أثارت جدلاً واسعاً عندما ارتدت سترة كُتب على ظهرها: «أنا لا أهتم حقاً، هل تهتم أنت؟» خلال زيارتها لمراكز احتجاز الأطفال على الحدود.
وبرّرت ميلانيا لاحقاً هذا التصرف بأنه رسالة للصحافيين الذين يشوّهون سمعتها بمصادر مجهولة، وقالت في مذكراتها التي صدرت عام 2024 بعنوان «ميلانيا»: «قررت أن أوصل رسالة مفادها أن الانتقادات لن تمنعني من فعل ما أراه صائباً».
وفي كتابها، أبدت دعمها لحق الإجهاض، في موقف يتعارض مع سياسات الحزب الجمهوري وزوجها الذي اتخذ موقفاً محافظاً من هذه المسألة.
كما لم تخفِ ميلانيا رأيها في الملف الروسي، حيث نقل ترمب عنها مؤخراً خلال مقابلة إعلامية، أنها كانت دائماً «متشككة» تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال مازحاً: «كنت أعود إلى البيت لأخبرها أنني تحدثت مع بوتين، وكان اللقاء رائعاً، فترد عليّ قائلة: مدينة أخرى تعرّضت للقصف».
وسرعان ما انتشرت في أوكرانيا صور ساخرة تُظهر ميلانيا بزيّ يحمل رموزاً أوكرانية، فيما لقّبها بعض الأوكرانيين بـ«العميلة ترمبينكو».
وترى البروفسورة جيليسون أن لكنة ميلانيا الأجنبية تجعل البعض يقلّل من شأنها، لكنها تعتقد أنها «لديها آراء مستقلة، وتؤثر بها خلف الأبواب المغلقة».
وعند سؤالها في مقابلة سابقة مع مجلة «GQ» عام 2016 عمّا إذا كانت تشارك زوجها في صنع القرار، أجابت بعبارة مقتضبة: «أملك آراء كثيرة، وأشاركه بها. لا أحد يعرف، ولن يعرف أحد، لأن ما أقوله له يبقى بيننا».
ولم يعلّق مكتب السيدة الأولى السابقة على تقرير الصحيفة البريطانية الأخير، مكتفياً بالصمت الذي دأب عليه خلال السنوات الماضية، تاركاً الباب مفتوحاً أمام تأويلات تتراوح بين الغموض… والتأثير الحقيقي.