
كتب فهد الأحمري في صحيفة الرياض.
يُعدّ نجاح السعودية في إدارة موسم الحج السنوي بكفاءة عالية نموذج فريد وملهم للعالم، إذ يتطلب تنظيم هذا الحدث تخطيطا دقيقا وجهودا بشرية وتقنيات ضخمة، ما يحول هذه التجربة إلى مرجع عالمي يحتذى في إدارة المناسبات والفعاليات الجماهيرية.
تجربة فريدة تقدمها السعودية حول كيفية التعامل مع التحديات اللوجستية والأمنية والصحية والمناخية والثقافية المرتبطة بتجمع ملايين البشر في مساحات محدودة وأيام معدودة وتحويل قدرها أمام التحديات الموسمية إلى فُرص استثنائية لتطبيق أفضل الممارسات والابتكارات في مجالات التنظيم والتنسيق، واستثمار التقنية بجانب العامل البشري، والتكامل بين مختلف الجوانب.
تتم الاستفادة القصوى من التجارب السعودية الممتدة لقرن من الزمن وتوظيف فريد للموارد البشرية والتقنية في إدارة الحشود وتنظيم الخدمات، فالتطبيقات الذكية والأنظمة الإلكترونية تساعد في تتبع حركة الحجاج، وتوزيع الخدمات، وإدارة الطوارئ بكفاءة، كما توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة لاتخاذ القرارات التشغيلية الفاعلة.
هناك نقطة في غاية الأهمية، فالبنية التحتية المتطورة والمرافق الخدمية الموسعة تشكل أساسا مهما لإدارة حركة الحجاج وتلبية احتياجاتهم، فهناك الطرق السريعة والمرافق الصحية والخدمية وممرات المشاة المطاطية التي تمتص الحرارة، كل هذه وغيرها تعد من العناصر الحاسمة في هذا الإنجاز.
فمثلا جسر الجمرات الذي يعد أحد أبرز المعالم الهندسية الحديثة المصممة لخدمة ملايين الحجاج، حيث يتسع لمرور أكثر من 500 ألف حاج في الساعة، بفضل تصميمه الفريد المكون من 5 طوابق لتسهيل تدفق الحشود بانسيابية، إضافة إلى مهابط مخصصة للطائرات المروحية للتعامل مع حالات الطوارئ. كما يتميز الجسر بنظام تبريد متطور يحافظ على درجة حرارة تبلغ 29 درجة مئوية، وهو كذلك مصمم لتحمل ما يصل إلى 12 طابقا واستيعاب نحو 5 ملايين حاج مما يضمن راحة الحجاج أثناء أداء مناسكهم، ليكون بذلك نموذجا رائدا يجمع بين الهندسة المبتكرة والكفاءة التشغيلية.
إلى جانب الجهود اللوجستية، تولي السعودية اهتماما كبيرا بالجانب الإنساني والثقافي في إدارة الحج، حيث يتم توفير خدمات إرشادية وتنظيم برامج توعوية وتثقيفية لتعريفهم بالشعائر فضلا عن الخدمات الطبية المتطورة التي يستفيد منها مئات الألوف من الحجاج سنويا ومئات من العمليات الجراحية كالقسطرة وعمليات فتح القلب وغسيل الكلى فضلاً عن حالات التنويم والطوارئ وغيرها من الخدمات الصحية المتنوعة في كل عام.
بصيرة.. أضحت السعودية نموذجا عالميا وأكاديمية تقدم دروسا ثمينة في إدارة الحشود الضخمة، وتلهم الدول الأخرى لتطوير قدراتها في هذا المجال الحيوي، ما يعزز مكانتها كمرجع دولي يحتذى به في إدارة الفعاليات الكبرى.