
راوية المصري؛ خاص “رأي سياسي”:

في يونيو 2025، عاد ملف اللاجئين السوريين ليتصدّر واجهة الجدل السياسي في أوروبا، بعد خطوات متسارعة اتخذتها بعض الدول لترحيل طالبي اللجوء السوريين، بدعوى “انتهاء الخطر الأمني” في سوريا و”عودة الاستقرار” إلى مناطق واسعة منها.
في ألمانيا، وتحت قيادة المستشار فريدريش ميرز، بدأت السلطات مراجعة ملفات نحو 50 ألف لاجئ سوري، بهدف ترحيل من تُصنّفهم على أنهم “غير مؤهلين للحماية”. أما النمسا، فمنذ أبريل الماضي، شرعت في خطوات لترحيل من فقدوا الحماية المؤقتة، ضمن اتفاقات أمنية ثنائية مع دمشق وأطراف وسيطة.
في السياق ذاته، قامت الدنمارك والسويد بتعليق دراسة طلبات اللجوء الخاصة بسوريين قادمين من مناطق مثل دمشق وريفها، بحجة أنها أصبحت “آمنة نسبيًّا”.
وفي مايو الماضي، طرحت المفوضية الأوروبية مقترحًا يتيح للدول الأعضاء ترحيل طالبي اللجوء إلى ما يُسمّى “دولًا ثالثة آمنة”، حتى في حال عدم وجود روابط سابقة تربط اللاجئ بهذه الدول. ويمنح هذا الاقتراح الدول حرية تقييم الوضع الأمني بمعزل عن التقارير الموحّدة الصادرة عن الأمم المتحدة.
يرى حقوقيون في هذه التوجهات محاولة لإضفاء شرعية على ترحيل غير آمن، بما يتعارض مع جوهر اتفاقية جنيف لعام 1951، التي تحظر إعادة اللاجئين إلى بلدان قد يتعرّضون فيها للخطر.
منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية (أمنستي) حذّرت من أن العودة إلى سوريا لا تزال محفوفة بالمخاطر، مع استمرار الاعتقالات والانتهاكات ضد العائدين، حتى ضمن برامج “العودة الطوعية” التي تنفذها دول مثل تركيا ولبنان. وقد تم توثيق حالات إخفاء قسري واعتقال سياسي طالت عددًا من هؤلاء العائدين.
في هذه الأجواء، يعيش آلاف اللاجئين السوريين في أوروبا حالة من القلق والترقّب، خاصةً من فقدوا تصاريح الإقامة المؤقتة، دون وضوح في مصيرهم القادم. ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوات جاءت استجابةً لضغوط تمارسها أحزاب اليمين المتطرف، خاصةً مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي في خريف 2025.
وفي تصريح له، قال المستشار الألماني ميرز:
“المساعدات الخارجية ستُربط مستقبلًا بتعاون الدول الأصلية في استعادة رعاياها”.
وهو ما اعتُبر مقايضة مباشرة بين سياسة الهجرة والمساعدات التنموية.
ورغم تراجع الحرب المفتوحة في معظم الأراضي السورية، إلا أن البلاد لا تزال غارقة في أزمات اقتصادية خانقة، مع انهيار البنية التحتية واستمرار القبضة الأمنية. وتشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وأن النظام السوري يستخدم “العودة” أحيانًا كوسيلة لتصفية حسابات سياسية مع المعارضين السابقين.
إنّ قرار ترحيل اللاجئين السوريين، ولو جزئيًّا، يشكّل سابقة خطيرة ذات أبعاد إنسانية وأخلاقية عميقة. فاحترام الحق في اللجوء لا يُبنى على مراسيم سياسية أو مناورات انتخابية، بل على دراسة كل حالة فردية بعناية، والتأكد من أن العودة، إن حصلت، يجب أن تكون طوعية، آمنة، وكريمة.
يبقى اللاجئون السوريون في مفترق طرق: العودة إلى المجهول، أو الانتظار في ظل قوانين تتغيّر كل يوم. وفي زمن تتسارع فيه التحولات، لا يُنتظر من أوروبا فقط أن تحمي حدودها، بل أن تحمي كذلك قيمها ومبادئها التي طالما افتخرت بها…