يبدو أن حلفاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يفتقرون إلى إجابات واضحة بشأن ما سيحدث عقب السقوط شبه المؤكد لحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في تصويت الثقة البرلماني المرتقب في 8 سبتمبر، بحسب مجلة “بوليتيكو”.
وتطرح الكواليس السياسية أسماء وزير القوات المسلحة سيباستيان لوكورنو ووزير العدل جيرالد دارمانان كخلفاء محتملين لبايرو في رئاسة الحكومة، لكن المجلة في نسختها الأوروبية تقول إن التساؤل الذي يبقى مطروحاً هو هل يغير ذلك شيئاً من حقيقة الأزمة؟ فمهما كان الاسم، سيجد أي رئيس وزراء جديد نفسه عالقاً في المستنقع ذاته.
وما زالت الانقسامات العميقة التي تعصف بالمشهد السياسي الفرنسي تشكل عائقاً أمام تمرير الإصلاحات الضرورية لخفض العجز، رغم تحذيرات بايرو، التي بدت وكأنها تحذيرات استباقية قوبلت بالتجاهل، من أن فرنسا قد تنزلق إلى أزمة ديون شبيهة بما شهدته اليونان، إذا امتنعت عن تنفيذ خطة تقشف غير شعبية بقيمة 43.8 مليار يورو.
أما خيار الانتخابات المبكرة، فإذا لجأ إليه ماكرون، فقد يُبقي الساحة السياسية في المأزق نفسه، غير أن تبعات الفشل ستقع عليه مباشرة هذه المرة بدلاً من تحميلها لرئيس وزرائه، وفي الأثناء، يزداد ضيق الأسواق المالية من بطء فرنسا في ضبط ماليتها العامة.
وفي المجمل يسود شعور بالصدمة في أوساط المسؤولين المنتخبين والمستشارين والمساعدين في مختلف الأحزاب المساندة لحكومة الأقلية.
وقال أحد مستشاري الوزراء الذي تحدث لـ”بوليتيكو” شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن “ماكرون تلقى ضربة قاسية”، مشيراً إلى أن تظاهرات واسعة النطاق، قد تشل البلاد، تلوح في الأفق بعد يومين فقط من سقوط متوقع لحكومة بايرو.
وأضاف: “أزمة سياسية في 8 سبتمبر، وأزمة اجتماعية في 10 سبتمبر. أليست هذه أزمة نظام؟”.
رئيس وزراء جديد؟
واعتبرت “بوليتيكو” أن وسطيي ماكرون يتعلقون على ما يبدو بالقش، فالإشارات الأولى الصادرة عن قصر الإليزيه توحي بأن الرئيس لا يعتزم حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. وبدلاً من ذلك، يُعتقد أن ماكرون يدرس تكليف لوكورنو، السياسي الوسطي البالغ من العمر 39 عاماً والمنتمي سابقاً إلى اليمين، لقيادة الحكومة.
كما يُطرح اسم وزير العدل جيرالد دارمانان الذي طالما طمح لرئاسة الوزراء، كخيار محتمل، غير أنه، بحسب مقربين، لا يرغب في تولي ما يشبه “مهمة انتحارية”.
وانطلق كلا الرجلين انطلقا من حزب “الجمهوريون” المحافظ قبل أن ينضما إلى ماكرون عام 2017، إلا أن لوكورنو يُعد أقرب إلى الرئيس وأكثر طواعية، فيما يُنظر إلى دارمانان على أنه طموح ومستقل الرأي.
ونُقل عن مقربين من لوكورنو أنه يتباهى سراً بعلاقاته المميزة مع حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، مؤكداً في الوقت نفسه أنه قادر على قيادة حكومة ائتلافية تضم اليمين واليسار معاً.
لكن يبقى التساؤل هل ستسعفه تلك العلاقة مع لوبان في تمرير ميزانية تقشفية دامية فشل بايرو، وسلفه ميشال بارنييه في إنجازها؟ ويجيب كثير من الوسطين بالنفي، معتبرين أن لا مؤشرات على استعداد لوبان أو الاشتراكيين لمنحه دعماً أكبر مما قدموه لبيرو.
وقال أحد المستشارين الوزاريين: “لا يوجد أي سيناريو أو اسم جديد قادر على حل الأزمة”.
أما بالنسبة لحزب “الجمهوريون” المحافظ، الذي سبق أن دعم حكومة بايرو، فإن طرح اسم لوكورنو لا يُعد في نظره سوى مؤشراً جديداً على تفاؤل رئيس يرفض الاعتراف بالهزيمة. ماكرون نفسه، وبحسب ما تسرّب، سعى خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، الأربعاء، إلى التقليل من خطورة الأزمة.
وقال أحد أعضاء “الجمهوريون” بنبرة محبطة: “لا يستطيع ماكرون التوقف عن محاولة الإمساك بزمام الأمور، إنها طبيعته”.
حتى فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط من الخبراء لمعالجة أزمة الميزانية، على الطريقة الإيطالية، ستواجه عقبات كبرى في برلمان منقسم، تسيطر عليه الحسابات المرتبطة بالانتخابات البلدية العام المقبل والانتخابات الرئاسية في 2027.
انتخابات محفوفة بالمخاطر
أما العودة إلى صناديق الاقتراع، فتحمل مخاطر جمّة على رئيس يسعى إلى إنقاذ إرثه السياسي، فالانتخابات المفاجئة التي أعقبت الانتخابات الأوروبية الصيف الماضي أدخلت فرنسا في مأزقها الحالي، ووجهت ضربة قاسية لسمعة ماكرون.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن أي انتخابات جديدة في الأسابيع أو الأشهر المقبلة قد تفضي مجدداً إلى برلمان من دون أغلبية حاسمة، وقال أحد المستشارين: “الأسوأ بالنسبة له أن يُقدِم على حل البرلمان ولا ينجح، عندها هو من يتلقى الضربة”.
ومع ذلك، لا يُستبعد هذا الخيار كلياً. فقبل أيام فقط، كان ماكرون يستبعد الدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل نهاية ولايته، لكن الإليزيه شدد على أنه لن يتخلى عن صلاحية دستورية. وقال أحد المقربين من الرئيس: “الغموض جزء من استراتيجيته”.
بايرو نحو الإليزيه؟
وفي معسكر بايرو ما زالت الصدمة من السقوط المفاجئ قوية، بعدما أطاحت به المعارضة، بقيادة اليمين المتطرف، فيما يسعى فريقه جاهداً لإقناع الرأي العام بأن الأوضاع ما زالت تحت السيطرة.
ونقل أحد المقربين من رئيس الوزراء أنه يراهن على أن تعيد مارين لوبان وحزبها حساباتهما خلال 48 ساعة، معوّلاً على أن يتكفل فريق بايرو بإنجاز “المهمة القذرة” المتمثلة في ضبط المالية العامة قبل عام 2027، لتجنّب انتخابات تشريعية قد تعزز نفوذ لوبان رغم إدانتها بقضية اختلاس.
وبحسب “بوليتيكو” يبدو أن بايرو يخوض الآن معركة على جبهة الرأي العام، من خلال سلسلة خطابات ومقابلات، في محاولة لمغادرة قصر ماتينيون مرفوع الرأس.
وهو ما يشبه إلى حد كبير استراتيجية انتخابية لعام 2027، إذ لطالما راودته طموحات الرئاسة. وقال أحد أنصار ماكرون: “على الأقل سيخرج ممهوراً بوسام المرشح الرئاسي”.