أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعليمات للوزارة والجيش لوضع خطة في جنوب قطاع غزة، يتم من خلالها تجميع الفلسطينيين في منطقة عازلة بعيداً عن العالم الخارجي، في خطوة تشبه إلى حد بعيد “معازل الجيتو” خلال الحرب العالمية الثانية.
وقال كاتس، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية، إن ما وصفه بـ”المدينة” ستقام في منطقة المواصي، حيث سيتم عزل نحو 600 ألف فلسطيني. والهدف هو إدخال الغزيين داخلها بعد إجراء فحص أمني، ومنعهم من الخروج منها.
وأضاف كاتس: “لن يُسمح للفلسطينيين بمغادرة المنطقة”.
ويستهدف الجيش الإسرائيلي في المستقبل تجميع كل سكان غزة داخل هذه المنطقة، مع وضع قوات لحراستها ومنعهم من الدخول والخروج. وأشار كاتس إلى أن إسرائيل تسعى إلى إشراك جهات دولية في إدارة هذا المشروع.
وأكد كاتس أنه سيسعى أيضاً للتشجيع على تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى دول أخرى، قائلاً إنه “يجب تحقيق هذه الخطة”.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية “كان”، أن من المتوقع الانطلاق في بناء هذه المنطقة العازلة خلال وقف إطلاق النار المرتقب، والمتوقع أن يستمر لحوالي 60 يوماً.
منطقة عازلة مغلقة في غزة
وفي تعليقه على تصريحات كاتس، قال النائب العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي جمال زحالقة، إن “ما تقوم به إسرائيل جريمة مطلقة، من خلال المحو الكامل للقطاع، بعد محو رفح وإخلاء سكانها بحجة الدوافع الأمنية العسكرية”.
وأضاف زحالقة، في تصريحات لـ”الشرق”، أن إسرائيل “تسعى لعزل الفلسطينيين في منطقة مغلقة، بهدف تبرير استهداف من هم خارجها”، مشيراً إلى أن هذا النهج “يمنح جيش الاحتلال شرعية للقتل، ويتجاوز في وحشيته كل النماذج الإجرامية في التاريخ”.
واتفق المتحدث باسم حركة “فتح” في غزة منذر الحايك مع تصريحات زحالقة، قائلاً إن خطة كاتس تمثل “تطهيراً عرقياً”، ووصفها بأنها “أخطر حتى من معازل الجيتو”.
وأضاف الحايك في تصريحات لـ”الشرق”، أن ما يحدث في غزة “كارثة”، و”الاحتلال يجبر السكان على التنقل من شارع إلى آخر ومن منطقة لأخرى تحت تهديد السلاح”.
واعتبر الحايك أن “الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يسعى لتنفيذ خطة التهجير بعد فشل خطته السابقة”، مشيراً إلى أن المرحلة الجديدة بدأت من شمال غزة مروراً بغرب المدينة، وصولاً إلى دفع السكان نحو الجنوب.
وأضاف الحايك: “إسرائيل تعتبر سكان غزة قنبلة ديموغرافية، وتسعى إلى تقليص عددهم إلى النصف عبر مخططات التهجير”.
وتنطبق الخطة الإسرائيلية على معازل “الجيتو” التي يتم خلالها عزل مجموعة معينة من السكان قسراً عن باقي المجتمع. وغالباً ما يرتبط هذا المصطلح بالاضطهاد والتمييز، حيث تُفرض ظروف معيشية صعبة وقاسية على سكان “الجيتو”.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية في رام الله أمجد أبو العز، إن خطة كاتس تعادل “معازل الجيتو”، مشيراً إلى أن إسرائيل تعتمد في حربها على نظرية “الإسقاط”، أي “تطبيق ما مورس ضدها سابقاً على الآخرين، وهو ما يحدث حالياً في غزة”.
وأضاف أبو العز في تصريحات لـ”الشرق”، أن “نظرية الإسقاط السياسي تساهم في فهم كيف يُعاد تشكيل الواقع السياسي عبر عمليات نفسية لا واعية، حيث يُستخدم الآخر كمرآة للذات”، وفق وصفه.
“الجيتو” والحرب العالمية الثانية
وتعود أصل كلمة “جيتو” (Ghetto) إلى مدينة البندقية بإيطاليا عام 1516، حيث أجبرت السلطات المحلية السكان اليهود على العيش في حي محدد ومعزول.
وكانت الجيتوهات جزءاً رئيسياً من السياسة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم إنشاء عدد كبير من هذه المناطق في أوروبا الشرقية، واستهدفت بشكل أساسي عزل اليهود عن بقية السكان.
وأشهر هذه الجيتوهات كان “جيتو” وارسو في بولندا، حيث تشير العديد من التقارير التاريخية، إلى أن مئات آلاف اليهود تم جمعهم في مساحة صغيرة، وسط تفشي الأمراض والجوع.
وتم إخلاء هذه الجيتوهات لاحقاً، وتم ترحيل قاطنيها جماعياً إلى معسكرات مثل “أوشفيتز” و”تريبلينكا” ضمن ما يوصف بخطة “الحل النهائي”، أو “الهولوكوست”.
ويستخدم المؤرخون اليهود مواضيع “الجيتو” و”الهولوكوست” للإشارة إلى معاناتهم خلال الحقبة النازية، وأيضاً لتبرير إنشاء إسرائيل لتجميع يهود العالم.