حسين زلغوط,

خاص – “رأي سياسي”:
في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، تم الإفراج عن حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، بكفالة مالية ضخمة بعد احتجازه لعدة أشهر على خلفية قضايا فساد وغسل أموال. هذا القرار، الذي أثار جدلاً واسعًا داخل لبنان وخارجه، فتح المجال للكثير من الأسئلة حول دوافعه، وآثاره السياسية والاقتصادية، ودلالاته القانونية في سياق الأزمة التي يمر بها لبنان.
إن لبنان، الذي يعاني من أزمات مالية حادة، شهد في السنوات الأخيرة تدهورًا اقتصاديًا غير مسبوق، أدى إلى انهيار العملة المحلية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة. ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2019 ضد الطبقة الحاكمة، وتحديدًا ضد السياسات المالية المتبعة من قبل مصرف لبنان تحت إدارة رياض سلامة، أصبح الأخير محورًا رئيسيًا للانتقادات.
في قلب الأزمة المالية، طُرحت العديد من الأسئلة حول مسؤولية “الحاكم” في تفاقم الوضع الاقتصادي، وقد تزايدت الاتهامات له بسبب سياسة “الهندسات المالية” التي اعتمدها، والتي أثارت جدلًا واسعًا حول شفافية هذه العمليات والمخاطر التي شكّلتها على الاقتصاد اللبناني، إلى أن جاءت التحقيقات القانونية لتتوج سلسلة من الانتقادات والاتهامات التي طالته في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى توقيفه.
قرار الإفراج عن رياض سلامة بكفالة مالية كبيرة أثار العديد من التساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه التحقيقات في قضيته. في الوقت الذي تترقب فيه الأوساط المحلية والدولية تطورات جديدة، يبقى السؤال الأبرز: هل كانت هذه الخطوة قضائية بحتة، أم أن هناك وراءها حسابات سياسية واقتصادية؟
إن إطلاق سراحه بكفالة مالية يشير إلى أن القضاء اللبناني يلتزم بالقوانين والإجراءات المعتادة في مثل هذه القضايا، ويمنح المتهم حق الدفاع عن نفسه. لكن المبلغ الكبير الذي تم تحديده ككفالة، والذي بلغ ملايين الدولارات، أثار القلق حول مدى قوة النفوذ الذي يتمتع به سلامة في لبنان. فهل هو مجرد إجراء قضائي، أم أن هناك ضغوطًا سياسية لعبت دورًا في هذه القضية؟
لطالما كانت العلاقة بين السلطة السياسية وحاكم مصرف لبنان موضع شكوك. فسلامة، الذي تولّى منصب الحاكم لمدة 30 عامًا، كان يُعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرًا في لبنان، وكان يشكّل في كثير من الأحيان حلقة وصل بين القوى السياسية المختلفة في البلاد، في ظل الانقسامات السياسية الحادة التي يشهدها لبنان.
قرار الإفراج عن سلامة بكفالة مالية طرح العديد من التفسيرات حول كيفية تعامل النظام اللبناني مع الملفات الحساسة. ومن ناحية أخرى، يبقى التأثير الدولي لهذه القضية بالغ الأهمية، حيث تشير التقارير إلى أن رياض سلامة ليس فقط ملاحقًا في لبنان، بل في عدد من الدول الأوروبية بسبب قضايا غسل الأموال والفساد. التحقيقات التي تُجرى في دول مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا تشير إلى وجود شبكة مالية معقّدة قد تشمل تهريب أموال إلى الخارج واستخدام وسائل غير قانونية لتشويه الوضع المالي اللبناني.
إطلاق سراحه في لبنان قد يعيق مساعي هذه الدول للحصول على أدلة إضافية أو تقديمه للمحاكمة في قضايا أكبر. وقد يتسبّب في توتر العلاقات بين لبنان والدول الغربية، خاصة في ظل اتهامات بانعدام الجدية في محاربة الفساد.
لا شك أن إطلاق سراح رياض سلامة بكفالة مالية يسلّط الضوء على العديد من القضايا التي لا تزال محط نقاش في لبنان. فهل سيكون هذا القرار بداية لمرحلة جديدة من المحاسبة الحقيقية، أم أنه سيظل جزءًا من لعبة السياسة والاقتصاد التي تتحكم في مسارات العدالة في لبنان؟ وماذا سيكون موقف القضاء اللبناني في حال تصاعدت التحقيقات في الخارج؟
لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة في الوقت الحالي، لكن ما هو واضح أن هذه القضية قد تشكل اختبارًا حاسمًا لثقة اللبنانيين في النظام القضائي والسياسي في المستقبل.