اجتماع ثلاثي بين طهران وموسكو وبكين لتنسيق ردع «سناب باك»
تجري روسيا والصين وإيران مشاوراتٍ مهمة في طهران، الثلاثاء؛ بهدف تنسيق المواقف استباقاً لاجتماع «الترويكا الأوروبية» المقرر في جنيف الأسبوع المقبل. ومع توقع إعادة فرض جميع العقوبات على إيران في إطار آلية «سناب باك»، حذَّر خبراء روس من أن الخطوة سوف تؤدي إلى مزيد من تفاقم الوضع، وتدفع طهران إلى اتخاذ خطوات تبدد أكثر فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
لكن في هذه الظروف، وعلى خلفية الاتصالات الروسية – الإيرانية المكثفة خلال الفترة الأخيرة، وبروز مؤشرات إلى حدوث شرخ جدي في العلاقات بين موسكو وطهران بسبب ما وُصف بأنه «خيبة أمل» إيرانية حيال موقف روسيا المتردد في دعمها، برزت أسئلة حول قدرة الكرملين على تقديم عون جدي للإيرانيين في ظروف انشغال موسكو بتعقيدات الوضع حول أوكرانيا، وعدم رغبتها في الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
قبيل الاجتماع الثلاثي، كررت الدبلوماسية الروسية عرض مواقفها المتمثلة في رفض إعادة العقوبات، والتشكيك بـ«شرعية» اتخاذ قرارات في هذا الشأن من جانب «الثلاثي الأوروبي»، إلى جانب التأكيد مجدداً على استعدادها للعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين طهران والغرب.
لكن هذا المدخل التقليدي كان لافتاً أنه لا يحظى بدرجة الحماسة نفسها التي كانت موسكو تُظهرها خلال لقاءات ثلاثية مماثلة لبحث الملف النووي الإيراني. على الأقل، ظهر ذلك من خلال تركيز وسائل الإعلام المقرّبة من الكرملين على أن اللقاء جرى تنظيمه بمبادرة من الجانب الإيراني، خلافاً للتوصيف الذي كان يُقدم خلال لقاءات مماثلة سابقة. كما تجنّبت الخارجية الروسية التعليق على الموضوع، واكتفت بإشارات موجَّهة إلى اجتماع «الترويكا» المقبل.
وقال ميخائيل أوليانوف، رئيس الوفد الروسي في فيينا، لصحيفة «إزفستيا» إن «الثلاثي الأوروبي» قد فقد شرعيته في إعادة فرض جميع العقوبات على إيران، معترضاً بذلك على المهلة التي كانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا قد منحتها لطهران حتى نهاية أغسطس (آب) لإبرام اتفاق نووي جديد.
وقال الدبلوماسي إن بريطانيا وألمانيا وفرنسا انتهكت بشكل متكرر بنود الاتفاق النووي؛ ما يُسقِط عنها شرعية تبنّي قرارات جديدة بشأن العقوبات.
في إشارة إلى أنه في حال عدم موافقة إيران على اتفاق جديد، فستتم إعادة فرض جميع العقوبات عليها. ولهذا الغرض؛ سيتم استخدام آلية «العودة السريعة» التي وضعها مجلس الأمن الدولي، والتي تسمح بإعادة فرض القيود الدولية على طهران تلقائياً في حال انتهاكها بنود الاتفاق النووي لعام 2015.
وكان لافتاً في هذا السياق أن وسائل إعلام حكومية روسية نقلت عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن الدول المشاركة في الاتفاق النووي لم تُبلِغ المنظمة الدولية بنيّتها إطلاق آلية لإعادة فرض العقوبات على إيران.
ولذلك؛ «تبقى هذه التهديدات الأوروبية حتى الآن مجرد كلام». وبرأي بعض الخبراء الروس، «من المحتمل جداً أن تكون هذه محاولةً لاستغلال مخاوف إيران وتخويف النخب من خلال إعادة فرض العقوبات».
يَظهر هذا أن موسكو لا تتعامل حتى الآن مع فكرة إعادة فرض العقوبات على أنها نهائية ومحتومة. كما أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن عملية «سناب باك» تعني «عودة فورية» للعقوبات، إلا أن إطلاق الآلية نفسها يستغرق نحو 30 يوماً، ولن تكون فورية تماماً.
في المقابل، هناك رأي روسي يُرجّح أن القوى الأوروبية تتسرع في سعيها لتطبيق الآلية بالكامل قبل تولّي روسيا رئاسة مجلس الأمن، أي قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2025. وفي هذه الحالة، تفترض «الترويكا الأوروبية» مشروعية إجراءاتها؛ إذ انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي من جانب واحد عام 2018، بينما خفّضت إيران التزاماتها بموجبه بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.
مشكلة التخصيب والوساطة الروسية
يرى خبراء روس أن فرص العودة إلى اتفاق نووي لم تُستنفد بعد، وأن قدرة الأطراف على التوصل إلى تفاهمات تنظم التعامل مع كميات اليورانيوم المُخصب لدى طهران ما زالت قائمة.
وكانت «الترويكا الأوروبية» قد وعدت بعدم فرض عقوبات إذا أزالت طهران نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60 في المائة من البلاد، ووافقت أيضاَ على استئناف مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي كانت إيران قد أوقفتها.
وأشار ميخائيل أوليانوف إلى أنه عند إبرام الاتفاق النووي، اتفقت موسكو وطهران على نقل أكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب المُنتج في إيران إلى روسيا، ولم يستبعد أن «تعود الأطراف إلى هذه الفكرة مستقبلاً».
وقال الدبلوماسي: «من حيث المبدأ، لا أرى أي سبب يمنع تطبيق مثل هذه الخطة مستقبلاً إذا كانت ستساعد في حل الخلافات بين طهران والغربيين بشأن البرنامج النووي الإيراني».
وجدّد التأكيد على العرض الروسي بالوساطة، انطلاقاً من أن موسكو «اتبعت هذا النهج لسنوات عدة، وقد حقق نتائج إيجابية مراراً وتكراراً. ونحن مستعدون الآن للعب دور الوسيط، إذا طلب طرفا الاتفاق ذلك».
لكن اللافت هنا أيضاً، أن أوليانوف تجنّب توضيح الفكرة المتعلقة بالضمانات التي يمكن لموسكو أن تقدّمها للغرب في مسألة عدم لجوء إيران إلى إنتاج أسلحة نووية في المستقبل.
وقال أوليانوف: «من الصعب جداً تصوّر كيفية تطبيق هذه الفكرة عملياً. ففي النهاية، ينبغي على إيران تقديم ضمانات من هذا النوع، وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تشمل صلاحياتها التحقّق من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط».
ويُقلل هذا المدخل، كما يقول خبراء، من أهمية أي وساطة روسية محتملة، حتى لو قبلت الأطراف الغربية بهذه الوساطة.
خيبة أمل إيرانية؟
على المستوى الرسمي، تواصل روسيا الدفاع عن حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، ورفض آليات «المهل النهائية» والإنذارات وأسلوب الضغط المتواصل، عادَّةً أن هذا النهج يلعب دوراً سلبياً ولا يدفع نحو أي محادثات بنّاءة.
كما أكدت طهران بدورها أن الضغط لن يُحقق نتائج. وحتى قبل الضربات الأميركية على المنشآت النووية، صرّح السفير الإيراني لدى روسيا، كاظم جلالي، بأن قيادة البلاد لن تستأنف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي إذا استمر البيت الأبيض في هذا النهج.
ويعتقد الخبير فرهاد إبراهيموف أن إنذار «الترويكا الأوروبية» والمزيد من التهديدات من واشنطن قد يدفعان إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ومواصلة برنامجها النووي بنشاط؛ ما يضع موسكو أمام خيار صعب: إما مواصلة دعم الإيرانيين سياسياً، أو تفضيل عدم الانخراط في مواجهة مع واشنطن.
وقد بدا أن اللقاءات والرسائل النشطة المتبادلة بين موسكو وطهران خلال الفترة الماضية هدفت إلى توضيح مواقف الطرفين، وتلمّس مدى قدرة موسكو على دعم طهران بشكل عملي مع احتدام المواجهة وتعاظم الضغوط الغربية عليها.
وناقش وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف ونظيره الإيراني عزيز نصير زاده تعزيز التعاون العسكري خلال اجتماع الاثنين في موسكو.
وجاء الاجتماع عقب محادثات الأحد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، تناولت الوضع في الشرق الأوسط والقضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
وتأمل طهران في المحافظة على دور لموسكو وبكين في هذا الشأن؛ انطلاقاً من قناعة عبّر عنها الناطق باسم الخارجية الإيرانية، بأن الاتفاق النووي لعام 2015 وُقّع بمشاركة روسيا والصين، مشيراً إلى أن هاتين الدولتين «يمكنهما الاضطلاع بدور في أي عملية داخل مجلس الأمن الدولي».
كما تنطلق طهران من موقف قانوني يقوم على أن الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي؛ ما يعني – من وجهة نظرها – عدم قانونية فرض عقوبات على طهران.
وكانت هذه فحوى الرسائل التي وجّهها مؤخراً وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى ثلاثة أطراف، هي: الصين وروسيا، ورئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس.
ومفاد هذه الرسائل أن استخدام آلية «سناب باك»، التي تعني إعادة فرض العقوبات، «لا معنى له، وغير مبرر، وغير قانوني، وغير أخلاقي».
لكن في هذا السياق، برزت تقارير متضاربة بشأن موقف موسكو من تخصيب إيران لليورانيوم، كما ظهرت إشارات إلى تعاظم خيبة الأمل الإيرانية من تباطؤ موسكو في إعلان دعم واضح وعلني لطهران.
فعلى الجانب الأول، ندّدت وزارة الخارجية الروسية، الأحد، بتقرير غربي أفاد بأن الرئيس فلاديمير بوتين حضّ إيران على القبول باتفاق نووي لا يُسمح لها بموجبه بتخصيب اليورانيوم – وهو اتفاق سعت واشنطن إلى إبرامه – واعتبرت ذلك «افتراءً».
وكان موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي قد نقل، السبت، عن مصادر قريبة من الملف، أن بوتين دعا إيران إلى القبول باتفاق مع الولايات المتحدة يحرمها من إمكانية تخصيب اليورانيوم.
وقبل ذلك، برز تباين آخر عندما أعلنت موسكو أن بوتين لم يتلقَّ رسالة من خامنئي خلال زيارة سابقة لوزير الخارجية الإيراني إلى موسكو.
في حين كشفت صحيفة «فرهیختغان» الإيرانية عن أن عباس عراقجي حمل رسالة غير مُعلَنة من خامنئي إلى القيادة الروسية، عكست انزعاجاً واضحاً من مواقف موسكو حيال التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل.
وبحسب الصحيفة المحسوبة على التيار المتشدد في إيران، فإن الرسالة التي نُقلت خلال لقاء عراقجي بالرئيس الروسي، عبّرت عن خيبة أمل إيرانية من المواقف الأولية لروسيا، التي وُصفت بأنها لم ترقَ إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولا إلى سقف التوقعات الإيرانية من شريك رئيسي كروسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن موسكو حاولت لاحقاً «إعادة تموضعها السياسي» عبر تعديل بعض مواقفها، إلا أن طهران تعدّ هذه الخطوة غير كافية، بل تطالب روسيا بالامتناع عن اتخاذ أي موقف من شأنه الإضرار بالمصالح الإيرانية، أو توفير غطاء ضمني للمواقف الغربية.
ورغم اللهجة العتابية التي حملتها الرسالة، أكّد التقرير أن العلاقات الإيرانية – الروسية لن تشهد قطيعة أو تراجعاً حاداً، مشيراً إلى استمرار مسار التعاون الثنائي في مجالات متعددة، كما في السابق.
لكن روسيا، التي وطّدت علاقتها بإيران منذ بدء هجومها على أوكرانيا عام 2022، امتنعت عن الرد بشكل مباشر على مضمون الخبر.
روسيا لا تمتلك خطة إنقاذ
في هذا الإطار، كتب الخبير ألكسندر بونوف أن «الكرملين يدرك أن إسرائيل والولايات المتحدة مستعدتان لبذل جهود أكبر لتدمير النظام الإيراني، ممّا هو مستعد لإنقاذه».
ورأى أن المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران وضعت الرئيس فلاديمير بوتين أمام خيارات صعبة للغاية؛ لأن «خصوم إيران الحاليين ليسوا أعداء لروسيا. وهذا ينطبق على إسرائيل، ودول الخليج العربية، وإدارة ترمب، التي لا يزال بوتين يأمل في (صفقة كبرى) معها».
لكن انطلاقاً من هذا المنطق، وكما أن الصين لا يمكنها السماح لروسيا بالهزيمة في أوكرانيا، كذلك لا ينبغي – من وجهة نظر النظام الروسي – لإيران أن تخسر هذه الحرب.
وعلى رغم أن روسيا غير قادرة على مساعدتها عسكرياً ولا تنوي ذلك، فإنها تحاول بكل قوتها بيع خدمات الوساطة التي تقدمها.
ورأى الخبير أن «من دون القدرة على إنقاذ الحليف الإيراني، كما أنقذت سابقاً الحليف السوري، ومن دون أصول الوساطة المعتادة، لا تبرز روسيا بأي شكل من الأشكال مقارنةً بوسطاء محتملين آخرين مثل تركيا أو قطر. لقد فقدت تماماً العملة التي كانت تنوي دفعها لواشنطن مقابل عودتها إلى النخبة العالمية. كما أن منظمتي (بريكس) و(شنغهاي للتعاون)، اللتين انضمت إليهما إيران العام الماضي، واللتين أشادت بهما روسيا، غير فعّالتين».