
باسم المرعبي_ ناشر موقع “رأي سياسي”:
في مشهد يعكس التعقيدات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط، وجّهت إسرائيل، في سابقة خطيرة، اتهامات مباشرة لقطر باستضافة قيادات من حركة “حماس”، مترافقة مع تصعيد إعلامي وسياسي استهدف الدوحة، بلغ ذروته بمحاولة استهداف شخصيات فلسطينية تقيم في العاصمة القطرية، الدوحة، عبر عدوان غاشم تجاوزت فيه تل أبيب كل الحدود، سيما وأن هذا العدوان جاء في الوقت الذي تؤدي فيه قطر دورًا محوريًا كوسيط نزيه في الحرب الدائرة في غزة، بالتوازي مع دعمها المستمر للجيش اللبناني، ومواقفها الثابتة حيال القضايا العربية.
بداية لا بد من التذكير انه منذ اللحظة الأولى لانفجار الأوضاع في غزة العام الفائت، سعت قطر لتثبيت موقعها كوسيط نزيه، ففتحت قنوات اتصال مع مختلف الأطراف، سواء داخل الساحة الفلسطينية أو على مستوى المجتمع الدولي، وتمكنت الدوحة، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، من تحقيق اختراقات مؤثرة، خصوصًا في ملفات الهدنة الإنسانية، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات إلى القطاع المنكوب. وقد أقرّ مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، في أكثر من مناسبة، بالدور القطري الحيوي، رغم محاولات بعض الأطراف التشويش عليه إعلاميًا.
إلا أن استمرار قطر في استضافة قادة سياسيين من حركة “حماس”، منذ سنوات، بات في قلب الهجوم الإسرائيلي الأخير. وبحسب تقارير أمنية متقاطعة، فإن إسرائيل وضعت مسؤولين من “حماس” مقيمين في الدوحة على قائمة الاستهداف، ما أثار قلقًا حقيقيًا في أوساط المراقبين من اتساع رقعة الحرب خارج غزة.
لكن ورغم عدم وقوع قصف فعلي على أراضي قطر، فإن ما نُشر عن مخططات إسرائيلية لاستهداف شخصيات في الدوحة، يُعد تجاوزًا خطيرًا للأعراف الدبلوماسية، ورسالة موجهة ليس فقط لحركة “حماس”، بل أيضًا لقطر كدولة.
ويُقرأ من هذا التصعيد انه يأتي في سياق الضغط على الدوحة لتغيير موقفها من الملف الفلسطيني، أو وقف دورها الوسيط، خصوصًا أن قطر حافظت على توازن بالغ بين دعمها الإنساني والسياسي لغزة، وبين التزاماتها الدولية.
وهنا لا بد من الإشارة الى ان قطر، الدولة الصغيرة جغرافيًا، باتت اليوم واحدة من أكثر الدول فاعلية في المنطقة. فمن غزة إلى بيروت، ومن كابول إلى الخرطوم، لم تتردد الدوحة في الانخراط في جهود الوساطة، وتقديم المساعدات، وحماية الأمن الإنساني والسياسي لشعوب المنطقة.
وفي زمن كثرت فيه الاستقطابات الحادة، حافظت قطر على مساحة مستقلة، أهلتها لتكون همزة وصل بين أطراف متنازعة، وصوتًا مقبولًا لدى قوى متضادة.
من هنا فإن ما تتعرض له قطر اليوم، من محاولات تشويه لدورها، أو تهديد لأراضيها وسيادتها، هو ثمن نجاحها السياسي والدبلوماسي في ملفات لم يجرؤ كثيرون على خوضها.
فالدور القطري في المنطقة لا يقتصر على الوساطة أو الدعم الإنساني، بل يتعداه ليشكل نموذجًا لدبلوماسية فعالة، ذات مبادئ، وقادرة على مواجهة التحديات. ورغم الضغوط المتصاعدة والرسائل المبطنة أو العلنية من أطراف عدة، فإن قطر لا تزال تؤدي مهمتها بشفافية، واضعة مصلحة الشعوب فوق الحسابات الضيقة.
كما ان قطر لم تَغفل عن دعم لبنان، وتحديدًا الجيش اللبناني، الذي يواجه تحديات أمنية واقتصادية متزايدة. فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وقطر تقدم مساعدات مالية وغذائية، وطبية، ولوجستية للجيش اللبناني، في خطوة تعكس ثقة قطر بالدور المحوري الذي يلعبه الجيش كضامن للاستقرار، في مواجهة التصعيد الإسرائيلي اليومي، وتزايد المخاطر الأمنية.
ومما لا شك فيه ان قطر بقيادتها الحكيمة تثبت أن الحضور الإقليمي لا يحتاج إلى الجيوش، بل إلى رؤية، وعقلانية، وجرأة في اتخاذ الموقف الصحيح، وان دورها في المنطقة ليس فقط كوسيط نزيه، بل كصوت عقل يدعو إلى الحوار ويدعم السلم الأهلي ويقف إلى جانب المؤسسات الوطنية…
نختم لنقول….شكراً قطر على مواقفك المشرفة ومبادئك النبيلة.