فرض الاتحاد الأوروبي حزمة رابعة من العقوبات على كيانين وفردين مرتبطين بالجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، بسبب مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتهديد السلام والاستقرار والأمن في البلاد.
وشملت القائمة، القائد العسكري، التابع للقوات المسلحة السودانية، أبو عاقلة محمد كيكل، والقائد الميداني لــ«قوات الدعم السريع»، حسين برشم، وذلك لدورهما في عمليات قتل وجرائم تطهير عرقي وتهجير قسري وعنف ضد المدنيين، حسب ما جاء في بيان للاتحاد الأوروبي. كما شملت العقوبات كيانين هما بنك الخليج التابع لـ«الدعم السريع»، وشركة رد روك التابعة للجيش.
مخافات وانتهاكات
وقال الاتحاد الأوروبي في بيانه ليل الجمعة – السبت، إن بنك الخليج، يلعب دوراً أساسياً في تمويل عمليات «قوات الدعم السريع»، كما أن شركة «رد روك» تشارك في تسهيل إنتاج الأسلحة والمركبات للقوات المسلحة السودانية.
وتشمل العقوبات تجميد الأصول، وحظر تقديم أي أموال أو موارد اقتصادية، بشكل مباشر أو غير مباشر، لهم أو لصالحهم، إضافة إلى تطبيق حظر على الأشخاص المدرجين في قائمة العقوبات من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وأوضح البيان أن شركة «ريد روك» التي تعمل في مجال التعدين والاستكشاف، تخضع شركتها الأم لتدابير تقييدية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتشارك في تسهيل إنتاج الأسلحة والمركبات للقوات المسلحة السودانية. وأشار إلى أن قطاع التعدين يساهم في تأجيج الصراع في السودان.
وترتبط مناطق التعدين بمناطق حرب، وتمثل مواقع استراتيجية بالغة الأهمية لأطراف النزاع، مما يزيد من حدة المنافسة والتوترات حسب البيان الأوروبي.
وذكر أن بنك الخليج مملوك بشكل كبير لشركات مرتبطة بأفراد من عائلة، قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ويلعب دوراً أساسياً في تمويل عمليات «قوات الدعم السريع».
قيود على حاكم الجزيرة السابق
وفرض الاتحاد الأوروبي قيوداً على القائد العسكري للقوات المسلحة السودانية، أبو عاقلة محمد كيكل، الذي كان يشغل منصب الحاكم لولاية الجزيرة بوسط السودان، بعد استيلاء «قوات الدعم السريع» عليها، قبل أن ينشق منها، وينضم للجيش السوداني في ديسمبر (كانون الأول) نهاية 2024.
وعدّ الأوروبي أن كيكل الذي يقود حركة مسلحة باسم «قوات درع السودان»، مسؤول عن استهداف «سكان الكنابي» وهي مجموعات عرقية تسكن قرى مهمشة في ولاية الجزيرة. ويتحدر سكانها، من قبائل أفريقية، جاءوا من مناطق مختلفة من السودان، خصوصاً من الغرب، للعمل في المشاريع الزراعية، واستوطنوا في تلك «الكنابي» وحوَّلوها إلى قرى وتجمعات سكانية. والكنابي مفردة سودانية مأخوذة من الكلمة الإنجليزية camp.
كما أدرج الأوروبي القائد الميداني العسكري بــ«قوات الدعم السريع، حسين برشم، الذي لعب دوراً قيادياً في عمليات «الدعم السريع» التي أسفرت عن فظائع جماعية، وعمليات قتل وعنف عرقي وتهجير قسري ضد المدنيين في إقليم دارفور وغيرها من المناطق المتضررة من النزاع في السودان.
وأكد الاتحاد الأوروبي أن فرض هذه الإجراءات التقييدية لدعم السلام والمساءلة في السودان، ولإيجاد حل سلمي للصراع، ومعالجة الوضع الإنساني الخطير في البلاد، وتعزيز عملية سياسية سودانية شاملة ودائمة.
كيكل يرفض
من جانبها رفضت «قوات درع السودان» بشدة ما سمته القرار «الجائر» الصادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على قائدها اللواء أبو عاقلة كيكل، لانعدام الأساس القانوني والسياسي.
وقال المتحدث باسم «درع السودان»، العقيد يوسف حسب الدائم عمر، إن القرار فشل في تقديم أدلة موثوقة تثبت الادعاءات الموجهة ضد كيكل وقواته، كما اعتمد على تقارير إعلامية مضللة صادرة عن جهات موالية لــ«ميليشيا الدعم السريع الإرهابية».
وأضاف في بيان صحافي السبت: «تم إصدار العقوبات دون إخطار القائد أو تمكينه من الدفاع عن نفسه، أو الاطلاع على أي أدلة، مما يعد خرقاً صريحاً للمادة (6) من لائحة العقوبات الأوروبية». وأشار إلى أن عمليات قوات «درع السودان» تهدف إلى تأمين المدنيين ومكافحة التمرد المسلح، و تنطلق من واجبات دستورية كفلها الدستور الانتقالي 2019، ومواثيق الشرعية الدولية، والمادة (4.2) من ميثاق الأمم المتحدة، و«من المؤسف أن تفسر هذه الجهود النبيلة بأنها تهديد للاستقرار». وعدّ عمر القرار خرقاً لمعايير العدالة، وأنه لن يثني قوات «درع السودان» عن أداء واجبها الوطني.
ترحيب من سكان الكنابي
بدورها، رحبت مركزية مؤتمر الكنابي، (تجمع أهلي) بالعقوبات الأوروبية على قائد «ميليشيا درع السودان»، وعدّتها تطوراً مهماً في اتجاه تحقيق العدالة الدولية. وقالت في بيان على موقع «فيسبوك»، إن قوات كيكل ارتكبت جرائم وحشية وجرائم تطهير عرقي ترقى للإبادة الجماعية وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان ضد العمال الزراعيين وسكان الكنابي في وسط السودان. وأكد البيان أنه لا سلام ولا عدالة ستتحقق دون محاسبة الجناة، وعلى رأسهم «كيكل» الذي يجب أن يقدم إلى محاكمة عادلة تضمن إنصاف الضحايا والمجتمعات المتضررة من سكان الكنابي.
واتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في يناير (كانون الثاني) الماضي «قوات درع السودان»، التي تقاتل بجانب الجيش السوداني، بارتكاب انتهاكات عنيفة ضد المدنيين، مستهدفة بتعمد سكان «الكنابي».
وقتل في الهجمات التي شنتها «قوات الدرع» أكثر من 26 شخصاً، بينهم طفل، وجرح آخرون، في قرية (كمبو طيبة) تبعد 30 كيلومتراً شرق مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة، كما نهبت الممتلكات المدنية للسكان، وأحرقت منازلهم.
وعقب استرداد الجيش السوداني ولاية الجزيرة من قبضة «قوات الدعم السريع» شهدت أعمال قتل وذبح وحرق للقرى والكنابي في مناطق واسعة من الولاية، لكن الجيش قلّل من تلك الجرائم وعدّها «تجاوزات فردية».
ومع تصاعد حملات التنديد بالفظائع والاتهامات الموجهة للجيش والقوات المتحالفة معه «قوات درع السودان والقوة المشتركة»، شّكل قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، «لجنة تحقيق» حدد لها فترة أسبوع لاكتمال التحقيقات، وتتضمن جمع الأدلة والشهادات والأقوال واستدعاء الأشخاص المعنيين، لكن إلى الآن لم تصدر نتائجها.