يجري رئيس كوريا الجنوبية لي جاي ميونج، أول جولة خارجية له في إطار الدبلوماسية الثنائية، تشمل الولايات المتحدة واليابان، لكن على خلاف أسلافه، لم تبدأ زيارته من واشنطن، بل كانت محطته الأولى طوكيو، حيث شهدت القمة التاريخية تحولاً في النبرة تجاه تعزيز العلاقات، وتحذيراً من نهج الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجاري، وفق شبكة CNN.
وعقب قمة ثنائية وصفت بـ”التاريخية” بين لي، ورئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا، أصدرت طوكيو وسول أول بيان مشترك منذ 17 عاماً، تعهدتا فيه بتعميق التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتجارة، ونزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
كما أعلنت اليابان، وكوريا الجنوبية خططاً لتشكيل فريق عمل مشترك لمواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك شيخوخة السكان، وتراجع معدلات المواليد، غير أن ما برز في هذه القمة لم يكن ما وُقع من اتفاقات، بل “الابتسامات المتبادلة، والكلمات الودية” بين الزعيمين.
الاحتلال الياباني لكوريا
ورأت شبكة CNN، أن التحول اللافت في النبرة، من العداء إلى الود، “يستحيل تجاهله”، إذ لطالما ألقى الاحتلال الاستعماري الياباني لكوريا، الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود في النصف الأول من القرن الـ20، بظلاله على العلاقات بين البلدين.
وفي عام 2023، انتقد لي، سلفه لحضوره قمة تاريخية مع اليابان، واصفاً إياه بـ”دمية طوكيو”، لكن منذ توليه منصبه قبل شهرين، اعتمد رئيس كوريا الجنوبية نبرة أكثر “براجماتية”، ففي 15 أغسطس (ذكرى يوم التحرير من الحكم الياباني)، وصف اليابان بأنها “شريك لا غنى عنه” لتحقيق النمو الاقتصادي.
ولا تقتصر الانفراجة الأخيرة في العلاقات على الجانب الدبلوماسي فحسب، بل تعكس بدرجة كبيرة التطورات الجارية غرب المحيط الهادئ.
ويتعامل البلدان حالياً مع علاقة “متقلبة” مع واشنطن، إذ دفعت السياسات الخارجية “غير المتوقعة” للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التشكيك في تحالفات كانت مستقرة سابقاً.
وفرض ترمب رسوماً جمركية، وطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي، ودفع البلدين إلى تحمل مزيد من التكاليف مقابل استضافة القوات الأميركية، لكن اليوم، لم يعد التحالف المتين بين واشنطن وسيول، الذي طالما كان شعاراً ثابتاً لوزارة الخارجية الأميركية، بالصلابة نفسها.
وفي الإطار، قال جيفري كينجستون، أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعة “تمبل” بطوكيو، لـCNN: “المشكلة أن دبلوماسية ترمب المتقلبة والبراجماتية تثير قلق الجميع”.
وأضاف: “أعتقد أن كثيراً من حلفاء أميركا يتساءلون، بعد خيانة أوكرانيا، عن المعنى الحقيقي للضمانات الأمنية الأميركية”.
الغزو الروسي لأوكرانيا.. درس تحذيري
وفي اليابان، يُنظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا في كثير من الأحيان بوصفه “درساً تحذيرياً”، إذ حذر رئيس الوزراء السابق فوميو كيشيدا من ذلك، قائلاً: “أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غداً”.
وتتزايد مخاوف طوكيو وسول من تنامي الترسانة النووية لكوريا الشمالية، وتعميق علاقاتها مع روسيا في غزو أوكرانيا، حيث يكتسب الجنود الكوريون الشماليون ميزة الخبرة المباشرة في ساحات القتال.
وثمة هاجس آخر يلوح في الأفق لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، يتمثل في احتمال اندلاع صراع حول تايوان، فمع تصعيد الصين لأنشطتها العسكرية قرب الجزيرة، تتصاعد المخاوف من أن تتدهور التوترات إلى مواجهة عسكرية على أعتاب بلديهما.
وتُثار تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل إذا اندلع صراع حول تايوان، أم أن ترمب، أو أي رئيس أميركي مقبل، قد يسعى إلى إبرام صفقة مع زعيم استبدادي من دون أن تكون تايوان طرفاً في المفاوضات، كما حدث في قمة ألاسكا الأخيرة، التي جمعت الرئيسين الأميركي والروسي.
حرب ترمب التجارية
وبعيداً عن المخاوف الأمنية، هزت حرب ترمب التجارية اقتصادي البلدين، فمع أن اليابان وكوريا الجنوبية وقعتا اتفاقات لتأجيل الرسوم الجمركية، فإن الزيادات الضريبية على قطع غيار السيارات والصلب والألمنيوم تُوجه ضربات قاسية لاقتصادين يعتمدان أساساً على صناعات السيارات والتكنولوجيا.
وفي الوقت ذاته، البلدان مضطرتان إلى إدارة علاقاتهما بعناية مع بكين، الشريك التجاري الأكبر لكل منهما، ورغم عدم تبني قائدي البلدين النهج التصادمي لترمب تجاه الرئيس الصيني شي جين بينج، فإنهما يظلان مطالبين بالتعامل مع ضغوط واشنطن من دون التفريط في مصالحهما الاقتصادية.
وبعد أن التقى ترمب وجهاً لوجه، ربما قدم “إيشيبا” نصائح إلى “لي” حول كيفية التعامل مع أسلوب الرئيس الأميركي “المتقلب”.
ففي زيارة أجراها إلى البيت الأبيض فبراير الماضي، حاول الزعيم الياباني استمالة ترمب، قائلاً: “كنت متحمساً جداً لرؤية شخصية مشهورة على شاشات التلفزيون”، لكن نبرة إيشيبا تغيرت بعد أشهر من الضغوط الجمركية والانتقادات الداخلية المتزايدة بسبب عدم توقيع اتفاق، وقال لاحقاً: “ترمب ليس شخصاً عادياً، إنه رجل يغير القواعد”.
وقد تواجه الشراكة الناشئة بين اليابان كوريا الجنوبية عقبة مبكرة تتمثل في احتمال استقالة إيشيبا، إذ يواجه رئيس الوزراء الياباني ضغوطاً متزايدة في الداخل للتنحي، بعد أن خسر حزبه الأغلبية في مجلس البرلمان، وحال تنحيه، سيكون من الضروري أن ينقل روح التعاون النادرة هذه إلى خلفه، لضمان استمرار حالة التقارب المستجدة بين البلدين.