تسارع سوريا وتركيا الخطى نحو إبرام اتفاقيات عسكرية لدعم السوريين في التعامل مع أزمات أمنية متعاقبة من منطقة الساحل شمالي البلاد إلى الجنوب في السويداء، تهدد استقرار السلطات التي لم يمر على وجودها في الحكم سوى قرابة الثمانية أشهر.
وقال مصدران عسكريان- سوري وتركي- إن البلدين الجارين يستعدان للإعلان عن اتفاقيات أمنية وعسكرية أواخر أغسطس المقبل، بعد أسابيع قليلة من إعلان تركيا عن طلب رسمي من دمشق للحصول على دعم دفاعي.
وصاغت وزارة الدفاع التركية بيانها في منتصف يوليو بالقول إن الحكومة السورية تقدمت بطلب رسمي إلى أنقرة “من أجل تقوية القدرات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، خصوصاً تنظيم داعش”.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية عن متحدث باسم الوزارة، تأكيده في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع على أن بلاده تقدم للسوريين “التدريب الفني والمشورة العسكرية تلبية لهذا الطلب”، دون أن يأتي بأي شكل من الأشكال على ذكر ماهية القدرات القتالية أو التدريبية أو يشير إلى الوحدات المرتبطة بالأمر.
غير أن مصدراً عسكرياً تركياً قال لـ”الشرق” مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، إن اتفاقية دفاع مشترك “قيد الإعداد حالياً ويُنتظر أن يتم توقيعها خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.
وأكد مصدر دفاعي سوري لـ”الشرق”- مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته لحساسية الموضوع- أن الاتفاقية ستوقع في أواخر أغسطس المقبل.
“3 قواعد عسكرية تركية في سوريا”
وكان المصدر التركي أكثر تحديداً في حديثه لـ”الشرق”، بالإشارة إلى تفاصيل الاتفاق الذي قال إن الجانب السوري “يريد منه علاقة استراتيجية مع تركيا تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في كافة المجالات”.
وأضاف المصدر: “اتفاقية دفاع مشترك قيد الإعداد حالياً، يُنتظر أن يتم توقيعها خلال الأسابيع القليلة المقبلة.. ستتضمن الاتفاقية إنشاء 3 قواعد عسكرية تركية في سوريا: الأولى في مدينة تدمر وسط البلاد، والثانية في مطار التيفور العسكري بمحافظة حمص، والثالثة في مطار منغ العسكري بريف حلب، بالإضافة إلى تقديم الدعم الاستشاري للجيش السوري، وتعزيز قدراته”.
وأشار المسؤول العسكري التركي البارز إلى وجود “نقاشات جارية بشأن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في مدينة دير الزور”، لكنه أكد عدم وجود اتفاق بشأن هذا القاعدة حتى الآن وأن المناقشات لا تزال تتم مع الجانب السوري.
ومن سوريا، قال مصدر سياسي كبير لـ”الشرق” إن إقامة قواعد عسكرية تركية في سوريا لن يتم عبر إعلان مباشر، مثلما كان يتم الترتيب في السابق، معتبراً أن الضربات الإسرائيلية لمطاري “تي.4″، و”الشعيرات” في وسط سوريا في أبريل الماضي، دفعت الجانبين للعدول عن الفكرة.
ووفقاً للمصادر، فإن تركيا سعت في البداية لإنشاء “قواعد عسكرية معلنة” في وسط سوريا، تحديداً في مطار “تي.4” الواقع على بعد 60 كيلومتراً شرق تدمر، والثانية في قاعدة الشعيرات الجوية شرق حمص، ولكن هذا التوجه تغير وفقاً لاتفاق جديد يتم العمل عليه عبر خطوات تدريجية تهدف إلى إنشاء بنية عسكرية تدريبية قبل أن تتوسع إلى خطوات أخرى.
وأشار المصدر السوري إلى أن الاتفاق الذي يجري العمل عليه مع تركيا، جرى التحضير له خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لإسطنبول في وقت سابق هذا العام.
جدول زمني
وتتراوح بنود الاتفاق الجديد بين تركيا وسوريا بين إنشاء قواعد تدريب لقوات الجيش السوري الجديد وتفعيل منظومات رادار ودفاع جوي، وطائرات مسيّرة تدخل ضمن برامج تدريبية.
واعتبر مصدر دبلوماسي سوري تحدث لـ”الشرق” طالباً عدم الكشف عن هويته، أن هذا الاتفاق التدريبي “سيكون بوابة لبدء إنشاء القواعد العسكرية التركية في مناطق وسط وشمال سوريا”.
ووفقاً للمصدر، فإن مناقشة التعاون العسكري التركي السوري بدأت بعد أسابيع قليلة من تولي الشرع السلطة في سوريا بعد نجاح المعارضة في الإطاحة بحكم بشار الأسد أوائل ديسمبر الماضي.
وقال المصدر إن الجانبين تبادلا في فبراير الماضي زيارات أمنية وعسكرية، أعقبتها تركيا بالإعلان عن إرسال ملحق عسكري إلى دمشق ورغبتها في تدريب الجيش السوري الجديد.
وفي مارس، عُقد اجتماع أمني إقليمي في عمّان شارك فيه ممثلون سوريون وأتراك، تلاه إعلان أنقرة عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع دمشق والأردن لمحاربة تنظيم “داعش”.
في الشهر التالي، عقد الشرع لقاءات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة للقاءات أعضاء الوفد السوري الأمني والعسكري مع القادة العسكريين في إسطنبول لبحث تدريب الجيش السوري وتجهيزاته، وسبقته لقاءات بين قيادة أركان البلدين.
وذكر المصدر الدبلوماسي السوري لـ”الشرق” أن تركيا وسوريا أطلقتا قناة اتصال عسكرية رفيعة المستوى بعد الإطاحة بالأسد، مضيفاً أن لقاءً جمع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ورئيس أركان الجيش التركي الجنرال متين جوراك في دمشق، أسس بدايةً التعاون الفعلي.
وحرصت أنقرة على إعطاء بعداً إقليمياً للتعاون العسكري مع سوريا، خاصة في ظل التخوفات الإسرائيلية من هذا التعاون، وهو توجه من شأنه أن يمنح أنقرة مساحة وقبولاً أوسع وفق الرؤية الأمنية التركية.
أزمة السويداء
وتجنبت مصاد “الشرق” الربط بين الاتفاق المرتقب بين تركيا وسوريا، وبين الأزمات الأمنية التي عاشتها دمشق خلال الأشهر الماضية في مدن الساحل وبعدها السويداء.
لكن برلمانياً تركياً قال لـ”الشرق” إن بلاده “لن تسمح بأي شكل من الأشكال بأي محاولات لتقسيم سوريا أو بقاء تنظيمات انفصالية قد تهدد سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.
وقال آيدن أغا أوغلو، وهو نائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا: “سينعكس هذا الأمر بشكل مباشر على الأمن القومي التركي، أما شرعية التدخل العسكري في سوريا فهو مستمد من الحكومة السورية التي قدمت طلباً رسمياً لوزارة الدفاع التركية، وفي حال تم توقيع اتفاقيات دفاعية بين البلدين فإن التدخل سيكون شرعياً”.
وأضاف: “الدور التركي في سوريا هدفه الوحيد دعم وحدة واستقرار سوريا وإعادة بناء البلد الذي دمرته حرب شنها النظام السابق ضد شعبه، لكن في النهاية انتصرت إرادة الشعب السوري، وتركيا كانت منذ اللحظة الأولى داعمة لحقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة”.
وأشار النائب التركي إلى أن هناك “رؤيتان لسوريا”، تتفق تركيا مع إحداهما وتعارض الأخرى.
وتابع: “الرؤية الأولى تتفق فيها تركيا والدول العربية والأوروبية وحتى الولايات المتحدة، وهي رؤية سوريا واحدة مستقرة مزدهرة تركز على التنمية، والرؤية الثانية هي رؤية التقسيم والانفصال والخراب، وهذه الرؤية تتبناها إسرائيل وتحاول تنفيذها عبر وكلائها، لكن كما قال الرئيس رجب طيب أردوغان لن تسمح تركيا بالتعرض لوحدة سوريا وسيادتها الإقليمية، ونحن نقوم بجهود دبلوماسية جبارة لحماية وحدة الأراضي السورية كاملة”.
وفي تصريح لـ”الشرق”، قال المحلل العسكري التركي عمر أوزتورك: “تركيا كانت سابقاً تدعم فصائل في المعارضة السورية عندما كانت في الشمال، لكن استراتيجية أنقرة اليوم تغيرت، فبدلاً من التعامل مع فصائل، باتت اليوم تتعامل مع الجيش الرسمي للدولة، وهذا تطور بالغ الأهمية، لأن من شأنه ترسيخ النفوذ التركي بطريقة مؤسساتية مستدامة”.
وتابع: “التحركات التركية في سوريا تتم بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة”، مشيراً إلى أن “هناك قوات أميركية في سوريا وكذلك قوات تركية، وكلا البلدين عضو في حلف الناتو، ويتفقان في رؤية مشتركة لسوريا”.