أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تعديلات هيكلية واسعة في مقر حكومته بـ”داونينج ستريت”، في محاولة للسيطرة على حكومته ووقف تراجع حزب العمال في استطلاعات الرأي، حسبما نقلت “فاينانشيال تايمز”.
وذكر مكتب رئاسة الوزراء البريطانية، أن دارين جونز، وزير الخزانة المسؤول عن ملف السكرتارية العامة، سينتقل إلى دور جديد داخل مقر رئاسة الوزراء يتولى فيه “دفع التقدم في القضايا السياسية الرئيسية ورفع تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء”.
كما أكد المكتب، أن ستارمر يعزز ثقله الاقتصادي من خلال تعيين مينوش شفيق، النائبة السابقة لمحافظ بنك إنجلترا، كمستشارة اقتصادية رئيسية له.
قوة اقتصادية موازية
واعتبر المحافظون أن تعيين جونز وشفيق، يشير إلى أن ستارمر بصدد إنشاء قاعدة قوة اقتصادية موازية داخل مقر رئاسة الوزراء، في ظل فقدانه الثقة بوزيرة الخزانة ريتشل ريفز.
وقال أندرو جريفيث، وزير الأعمال في حكومة الظل: “رئيس وزراء أقوى كان سيقيلها تماماً بدلاً من أن يخلق لنفسه وزير ظل للخزانة”.
لكن حلفاء ريفز أكدوا أن الوزيرة رحبت بهذه الخطوة، وكانت من الداعمين لتشكيل فريق اقتصادي أقوى داخل مقر رئاسة الوزراء، بما في ذلك نقل جونز. وقال أحدهم: “من المهم أن يكون لمقر رئاسة الوزراء صوت اقتصادي قوي، تماماً كما هو الحال في السياسة الخارجية. هذا يعزز الرسالة الاقتصادية عبر الحكومة، ويساعدنا في أداء مهامنا”.
وفي سياق موازٍ، تم تعيين تيم آلان، المستشار الإعلامي السابق لتوني بلير في ولايته الأولى ومؤسس وكالة بورتلاند للعلاقات العامة، لإعادة هيكلة الاستراتيجية الإعلامية لستارمر.
ويأتي هذا التغيير، بينما عاد النواب إلى مجلس العموم (البرلمان) من عطلتهم الصيفية، فيما تتراجع شعبية رئيس الوزراء، ويبلغ دعم حزب العمال في استطلاعات الرأي نحو 20% فقط. كما يستعد الوزراء لميزانية خريفية حاسمة.
“منفذ أوامر ستارمر”
ويعكس تعيين جونز في المنصب الجديد كـ”سكرتير أول لرئيس الوزراء”، إدراك ستارمر بأنه يحتاج إلى إحكام قبضته على إدارة الحكومة. وكان جونز قد كُلّف سابقاً في الخزانة بمهمة حساسة تتعلق بمراجعة الإنفاق عبر وزارات الحكومة، وهو ملف اعتبر ستارمر أنه أُدير بشكل جيد.
وقال أحد حلفاء رئيس الوزراء: “كير فكّر في هذا الأمر خلال الصيف، وقرر أن هذه التغييرات هي الأنسب لتعزيز الأداء ودفع العمل الحكومي من داونينج ستريت”.
جونز، المحامي السابق، سيُنظر إليه على أنه “منفّذ أوامر” ستارمر. أما بات ماكفادن، وزير مكتب مجلس الوزراء، الذي كان يؤدي بعض هذه الأدوار سابقاً، فقد قيل إن مهمته ستتوسع لتشمل “الإشراف بشكل أكبر على الاستراتيجية السياسية”.
كما أن تعيين آلان، الذي عمل إلى جانب أليستير كامبل في فريق بلير الإعلامي، يشير إلى رغبة ستارمر في رؤية جهد اتصالي أكثر حدة في “داونينج ستريت”. ويمثل آلان، الذي باع معظم حصته في بورتلاند لشركة “أومنيكوم” في عام 2012، خطوة أخرى من ستارمر نحو استقطاب شخصيات مرتبطة بحكومة العمال السابقة.
وكان ستارمر، قد أعاد بالفعل بعض قدامى حقبة “العمال الجدد”، مثل جوناثان باول كمستشار للأمن القومي، ولورد بيتر ماندلسون كسفير لدى الولايات المتحدة.
وسيتولى آلان منصب المدير التنفيذي للاتصالات في “داونينج ستريت”، إلى جانب ستيف درايفر، مدير الاتصالات.
وفي المقابل، سيغادر جيمس ليونز، مدير الاتصالات، منصبه بعد أقل من عام، كما ستترك ليز لويد، التي عيّنها ستارمر العام الماضي كمديرة لتنفيذ السياسات. وتثير مغادرتهما بعد فترة قصيرة تساؤلات حول حُسن اختيارات ستارمر للتعيينات، أو ما إذا كانت المشكلة تكمن في رئيس الوزراء نفسه، بحسب “فاينانشيال تايمز”.
وكان ستارمر قد أنهى أيضاً مهام سو جراي، أول رئيسة موظفين له في “داونينج ستريت”، العام الماضي، فيما غادر ماثيو دويل، مدير اتصالاته الأول، منصبه في غضون عام من فوز العمال بانتخابات 2024.
أما في الخزانة، فسيحل جيمس موراي، سكرتير الخزانة الحالي، محل جونز كنائب لوزيرة الخزانة ريتشل ريفز، بينما سيخلفه دان توملينسون، النائب المنتخب حديثاً العام الماضي.
كما سيصبح دان يورك-سميث، وهو مسؤول بارز في الخزانة، أشرف على سياسات الضرائب والرعاية الاجتماعية، السكرتير الخاص الأول لرئيس الوزراء، وهو منصب يعدّ بمثابة “حارس البوابة” لرئيس الوزراء ينظم جدول أعماله، ويتحكم بتدفق المعلومات إليه.
ويرى بعض المسؤولين، أن هذا العدد الكبير من الأسماء يعكس اعترافاً بوجود مشكلة. لكن آخرين يعتبرون أن المشكلة ذاتها تكمن في كثرة الأشخاص وتعدد أفكارهم حول كيفية إنجاز الأمور.
البيروقراطيون التنفيذيون
في أعماق مبنى مجلس الوزراء العائد للقرن الـ19، تتخذ “وحدة تنفيذ المهمات” مقرها.
وأُنشئت هذه الوحدة في خريف العام الماضي على يد ستارمر، وتضم نحو 30 موظفاً مدنياً بقيادة كلارا سوينسون، المخضرمة في الجهاز الإداري التي عملت سابقاً مع وحدة التنفيذ الأولى في عهد بلير.
وتُعنى الوحدة بقياس التقدم في ما يتعلق بـ”المهمات الخمس” لرئيس الوزراء، التي تعهد فيها بتحقيق أعلى معدل نمو بين دول مجموعة السبع، وخفض معدلات الجريمة العنيفة، وتحسين أنظمة الصحة والتعليم، إضافة إلى الوصول إلى شبكة كهرباء منزوعة الكربون بحلول عام 2030.
ويرى بعض المسؤولين، أن الوحدة بدأت من موقع ضعف بسبب تمركزها في مكتب رئيس الوزراء بدلاً من “الرقم 10″، في إشارة إلى مقر الحكومة في “داونينج ستريت”، مما جعلها أقل حضوراً وتأثيراً في آلية عمل الحكومة. وأشار أحدهم إلى أن بعض موظفي الوحدة بدأوا عملهم في قبو المبنى، وفق مجلة “بوليتيكو” الأميركية.
وقال أحد مسؤولي الحكومة: “لا أعرف تحديداً ما هو هدفهم. مما رأيته، يبدو أنهم يقدمون خدمة متابعة لأداء الوزارات أكثر مما يقودون العمل من المركز. لكن السؤال هنا: أليس ذلك من مهام وحدة السياسات في الرقم 10؟”.
وقال شخص على تواصل دائم بـ”الرقم 10″: “إذا كانت الحكومة ستستمر في العمل وفق نهج المهمات، فعليها أن تعيد ضبط عمل الوحدة، وتمنحها قوة دفع جديدة. فإذا بقيت هذه الوحدة في مكتب مجلس الوزراء بعيداً عن سلطة رئيس الوزراء، فلن تحظى بالأولوية الكافية لدفع الإصلاحات بجدية داخل النظام”.
