تعيش الجماعة الحوثية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء حالةً من القلق والارتباك غير المسبوق، بعد سلسلة من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت في الأسابيع الماضية مواقع للجماعة، وأدّت إلى مقتل عدد من أبرز مسؤوليها السياسيين والعسكريين، بينهم رئيس وزراء حكومتها الانقلابية وعدد من الوزراء والقيادات الميدانية.
هذا ما توصلت إليه مصادر أمنية يمنية مطلعة، أفادت بأن التطورات فجّرت صراعاً داخلياً محتدماً بين أجنحة الجماعة الحوثية، وسط تصاعد الاتهامات المتبادلة بالتجسس، وتسريب معلومات حسّاسة أدت إلى سقوط قادتها.
وحسب تلك المصادر، أصدر ما يُعرف بـ«مكتب القيادة والسيطرة الجهادية»، التابع مباشرة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، توجيهات عاجلة إلى القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين، تحثهم على التزام أعلى درجات الحذر والحيطة، مع فرض بروتوكولات أمنية صارمة تحدُّ من تحركات القيادات وتُلزمهم بتغيير أماكن إقامتهم وإغلاق هواتفهم المحمولة، وتقليص أفراد حراستهم الشخصية، واستخدام وسائل نقل مموهة في تنقلاتهم.

تأتي هذه الإجراءات، وفقاً للمصادر، نتيجة تصاعد الشكوك داخل الجماعة حول وجود اختراقات أمنية في صفوفها، وتنامي الانقسامات بين جناحي «صعدة» و«صنعاء».
وتُشير المصادر إلى أن قيادات تنتمي إلى صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة والموالين تقليدياً لإيران، اتهمت شخصيات من جناح صنعاء وعدداً من المشرفين الميدانيين من محافظات أخرى، بالتورط في تسريب الإحداثيات التي استُخدمت في الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
تحقيق ومراجعة
وكشفت المصادر في صنعاء عن أن هذه الاتهامات بلغت مكتب زعيم الجماعة الحوثية مباشرة، وأن الأخير وجّه بإجراء مراجعة أمنية شاملة، وفتح تحقيقات سرية مع عدد من القيادات الميدانية.
وأوضحت المصادر أن الاتهامات تركَّزت حول مقتل رئيس أركان الجماعة محمد عبد الكريم الغماري، الذي قد لقي حتفه في غارة إسرائيلية استهدفت مقرّاً سريّاً في صنعاء.
وخلال الأسابيع الماضية شنّت الجماعة في صنعاء ومدن أخرى -حسب المصادر- حملة اعتقالات طالت عدداً من قياداتها العسكرية والأمنية، على خلفية اتهامات بالتجسس لصالح الاستخبارات الإسرائيلية.
وذكرت المصادر أن من بين المعتقلين شخصيات بارزة كانت تشغل مواقع حساسة فيما يُعرف بـ«مجلس الحرب الحوثي» وأخرى مقربة من زعيم الجماعة.

ويرجّح مراقبون أن تشهد الأيام المقبلة حملة ملاحقات في صفوف القيادات المتوسطة والميدانية التي يُشتبه في ولائها غير الكامل لزعيم الجماعة، في ظل تصاعد حالة من الهلع داخل أوساط القيادات، خشية حدوث تسريبات جديدة قد تُسفر عن استهداف مزيد منهم.
وتُثير هذه التطورات تساؤلات واسعة حول حجم الاختراق الأمني الذي يواجه الحوثيين، خصوصاً في ظل فشل الأجهزة الأمنية التابعة لهم والمدعومة من «الحرس الثوري الإيراني» في حماية القيادات العليا، أو منع تسرب المعلومات السرية.
ويرى مراقبون أن الصراعات الداخلية المتنامية قد تعكس هشاشة البنية التنظيمية للجماعة، التي لطالما قدَّمت نفسها على أنها متماسكة ومنضبطة آيديولوجياً.
وحسب المراقبين، تسببت الضربات الإسرائيلية الدقيقة في تعميق أزمة الثقة داخل الجماعة، وهو ما دفع زعيمها عبد الملك الحوثي إلى إعادة النظر في الهيكل الأمني والاستخباري، في محاولة لاحتواء أي خسائر مستقبلية.

