هل تنجح الضربات الإسرائيلية في القضاء على طموحات إيران النووية؟
في غضون أيام قليلة من الحرب، قتلت إسرائيل أكثر من 14 عالماً نووياً إيرانياً بارزاً، وقضت على عدد من أهم قادة الجيش الإيراني، وألحقت ضرراً بمنشآت نووية.
لكن على الرغم من ذلك، فإن عدداً من القادة العسكريين الإسرائيليين وخبراء الانتشار النووي الدوليين يتفقون على أن ما تفعله إسرائيل هو مجرد «استعراض لهيمنتها العسكرية والاستخباراتية»، لكنه لم يُلحق ضرراً بالغاً بالبرنامج النووي الإيراني المحمي بشكل كبير، وفقاً لما نقلته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبراء أن رهان إسرائيل على القوة قد يدفع بإيران إلى تسريع جهودها للحصول على قنبلة نووية إذا انتهى الصراع الحالي دون تدمير كامل للبرنامج النووي أو التوصل إلى اتفاق ذي ضوابط صارمة.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن «الهجمات الإسرائيلية الأولية أخّرت قدرة إيران على صنع سلاح نووي فعال بضعة أشهر فقط».
ويعتقد مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن طهران كانت على بُعد نحو 3 سنوات من القدرة على إطلاق سلاح نووي، وأنها لم تكن تسعى «جاهدةً» لامتلاك قنبلة، وفقاً لما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية، الثلاثاء، ومن ثم، فإن «تأخير قدرة إيران على صنع هذا السلاح بضعة أشهر أمر لا أهمية له نسبياً».
وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه شنّ الهجمات لأن إيران كانت على وشك امتلاك قنبلة نووية. ولكن حتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن الضربات التي شُنّت حتى الآن لن تمنع هذا الأمر، وقد لا تتمكن إسرائيل من إحداث مزيد من الضرر الدائم دون مساعدة الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى إثارة الخوف في صفوف القيادة الإيرانية والشعب، فإنها من المرجح أن تكون قد خففت من حدة استياء الشعب الإيراني من تكاليف البرنامج النووي.
وقالت سيما شاين، المختصة في الشؤون الإيرانية الرئيسة السابقة لقسم الأبحاث بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي: «بعد انهيار الوكلاء الإقليميين لإيران، الذين كانوا درعاً دفاعية للنظام، خلال العام الماضي، ازداد التركيز داخل إيران على إمكانية تطوير برنامج نووي».
وأضافت: «لم أرَ قط هذا الكم من الحديث عن القدرة العسكرية النووية الإيرانية كما رأيته خلال مدة العام ونصف العام الماضية. إذا انتهت الحرب دون تدمير البرنامج النووي، فمن المرجح أن تطور إيران قنبلة نووية».
واتفق مسؤول عسكري غربي ذو خبرة بالمنطقة مع رأي شاين، قائلاً إن «هجمات إسرائيل، على الرغم من تصويرها على أنها ضربات استباقية، من المرجح أن تكون حافزاً لانتشار الأسلحة النووية».
وأضاف: «وجهة نظري الشخصية هي أن الإيرانيين سيبذلون قصارى جهدهم بعد ذلك للحصول على سلاح نووي».
منشأة «فوردو»
إن أكبر عقبة أمام التدمير العسكري للمشروع النووي الإيراني هي منشأة «فوردو» النووية الإيرانية، وهي الأشد تحصيناً مقارنة بالمنشآت النووية الأخرى في البلاد.
وهذه المنشأة موجودة في أعماق جبل لحمايتها من أي هجوم؛ مما يعني أنها بعيدة عن متناول حتى أقوى الأسلحة الإسرائيلية.
وتضم المنشأةُ أجهزةَ طرد مركزي ومعظمَ اليورانيوم عالي التخصيب في البلاد، والجيشُ الأميركي وحده هو من يمتلك القنبلة التي تزن 30 ألف رطل القادرة على الوصول إلى «فوردو».
ووسط نشوة إسرائيلية عارمة جراء الضربات الأولى، حذّر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع تفكيك البرنامج النووي الإيراني بمفرده.
وقال لوسائل إعلام إسرائيلية: «لا يمكن تحقيق ذلك بالوسائل العملية». وأضاف أن بإمكان الجيش بدلاً من ذلك تهيئة الظروف لاتفاق طويل الأمد، بوساطة أميركية، من شأنه أن يوقف البرنامج النووي الإيراني تماماً.
لكن نتنياهو لم يترك مجالاً للشك في أنه يفضل التعاون العسكري الأميركي لمواجهة إيران على الحل الدبلوماسي.
ولا يحلم نتنياهو بتدمير البرنامج النووي فقط، بل بتغيير النظام في طهران أيضاً. لكن مع كل صاروخ يسقط في مناطق مدنية، تبدو مناشداته الشعب الإيراني الوقوف ضد النظام أكبر زيفاً على أرض الواقع.
ماذا لو رفضت الولايات المتحدة ضرب «فوردو»؟
إذا قرر ترمب في النهاية البقاء بعيداً عن هذه الحرب، وتأخرت إيران في قبول اتفاق يكبح برنامجها، فإن إسرائيل ستكون لديها خيارات عسكرية أخرى لإلحاق ضرر دائم بـ«فوردو».
وقال أليكس غرينبرغ، المحلل والباحث السابق في شؤون إيران بقسم أبحاث الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي: «لطالما كان هناك هوس في إسرائيل والعالم بقصف المواقع النووية. حتى لو استُحيل تدمير (فوردو) جواً، فهناك أساليب أخرى».
وأضاف: «من المرجح أن استيلاء إسرائيل على نسخة من الأرشيف النووي الإيراني منحها إمكانية الوصول إلى بعض الأسرار عن (فوردو)؛ مما قد يُسهّل تعطيل أنظمة الدعم بالمنشأة، أو حتى إرسال قوات خاصة لتدميرها في عملية برية».
وهناك سابقة لهذه الأساليب في غارات إسرائيلية أخرى. وقد أدى هجوم وقع هذا الأسبوع على إمدادات الكهرباء لمنشأة أخرى للتخصيب في «نطنز» إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي بها.
والعام الماضي، أرسلت إسرائيل قوات «كوماندوز» خاصة لتدمير مصنع صواريخ تحت الأرض تابع لـ«حزب الله» في عمق سوريا. وعلى الرغم من أن منشأة «فوردو» محميّة بدفاعات كثيفة، فإن إسرائيل، بما تزعمه الآن من سيطرتها على المجال الجوي غرب إيران، قد ترسل فرقاً على متن طائرة «سي130» لمحاولة اقتحام المنشأة، وفق الخبراء.