دراسة إسرائيلية تعرض 3 خيارات أمام حكومة نتنياهو في غزة
في خضم اختلاف الرأي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يدفع باتجاه احتلال قطاع غزة، ورئيس أركان الجيش إيال زامير الذي لا يحبذ الفكرة؛ لما تنطوي عليه من مخاطر استنزاف الجيش، وتداعيات اقتصادية وتعريض حياة الرهائن للخطر، نشر موقع «معهد دراسات الأمن القومي» هذا الأسبوع دراسة معمَّقة حول الخيارات المتاحة أمام إسرائيل في القطاع.
شارك في إعداد الدراسة باحثان، هما كوبي مايكل من «معهد دراسات الأمن القومي» الملحق بجامعة تل أبيب والقريب من وزارة الدفاع، ويوسي كوبرفاسر مدير «معهد القدس للاستراتيجية والأمن» والأستاذ الزائر في المركز الدولي لدراسات الأمن والشرطة بجامعة «جنوب ويلز» في بريطانيا.
واستفاضت الدراسة في عرض قدرات حركة «حماس»، وفي ذكر تفاصيل «ثلاثة خيارات استراتيجية» أمام الحكومة الإسرائيلية، وما يتضمنه كل منها من مزايا وعيوب.
قدرات «حماس»
تؤكد الدراسة أن حركة «حماس» ما زالت تحتفظ باثنين من الألوية العسكرية بالقطاع، هما لواء غزة ولواء خان يونس، رغم الضربات التي تلقتها والخسائر البشرية والمادية التي أُنزلت بها، وتقول إنها «ما زالت لديها قيادات عسكرية نشطة وبنى عسكرية صالحة. والأهم من ذلك أنها تواصل تجنيد الشباب وتسليحهم».
وتشير الدراسة إلى أن الحركة «استعادت قدراتها على تصنيع الأسلحة محلياً، معتمدة على بقايا قنابل الجيش الإسرائيلي غير المنفجرة، وعلى منشآت تصنيع ومراكز معرِفة لم تتعرض للتدمير».
وتحذّر الدراسة من أنه «ما لم يتم تفكيك (حماس) بصفتها كياناً حاكماً فعلياً في غزة – حتى إن بدت ضعيفة – فلن يتمكن أي بديل مدني حقيقي من الظهور، ولن يبدأ أي مسار جديّ لإعادة إعمار القطاع، ولن يُمكن إرساء واقع أمني في غزة أو حولها، ولن يختفي خطر حدوث توغلات إلى داخل إسرائيل، أو إطلاق صواريخ، أو تعطيل حياة السكان في النقب الغربي وما وراءه».
وتضيف: «نتيجة لذلك؛ سيكون من الصعب جداً إقناع سكان التجمعات السكنية على حدود غزة بأن العودة إلى منازلهم أو البقاء فيها هو أمر آمن».
وتقول الدراسة إن تفكيك الحركة «لا يعني القضاء على كل قائد أو عنصر، ولا تدمير كل صاروخ، كما لا يعني القضاء على آيديولوجيتها أو إزالة تأثيرها من عقول وقلوب الفلسطينيين. بل يعني إلغاء قدرتها على العمل بصفتها سلطةً منظمة عسكرياً وحكومياً في غزة».
وتشير إلى أن هناك أربع «مهمات» يتعين إبعاد «حماس» عنها، وهي «فرض القانون والنظام في غزة، وتشغيل الخدمات المدنية وآلية الدولة المدنية، والتحكم بالمساعدات الإنسانية، وجمع الضرائب وإدارة الاقتصاد المحلي».
الخيار الأول
يقول الباحثان إن هناك ثلاثة خيارات، لكل منها مزاياه ومخاطره، لكن أياً منها «لا يضمن تحقيق أهداف الحرب بالكامل».
ويتمثل الخيار الأول في تعزيز الضغوط العسكرية على «حماس» من أجل «دفعها لقبول مسودة وقف إطلاق النار التي اقترحها الوسطاء وقبلتها إسرائيل».
ومن عناصر هذا الخيار، حسب الدراسة المنشورة، إضعاف القاعدة المالية لـ«حماس» وسيطرتها على السكان، وذلك عبر تشجيع التحرك نحو «المدينة الإنسانية» في الجنوب، وإحكام السيطرة على مراكز توزيع المساعدات التابعة لـ«مؤسسة غزة الإنسانية»، ودعم مجموعات محلية، مثل جماعة ياسر أبو شباب في شرق رفح لتحل تدريجياً محل «حماس» في الحكم المدني في مناطق محددة.
ويرى الباحثان أن هذا الخيار يتيح أمام الحكومة وقتاً للتفاوض، ويخفف التوتر مع واشنطن. لكن مشكلته الرئيسية تكمن في أنه ليس من المؤكد أن توافق «حماس» على شروط إسرائيل التي تضمَّنها مقترح المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، الذي ينص على «إطلاق سراح نحو نصف الرهائن مقابل وقف إطلاق النار لشهرين، وسحب قوات من شمال غزة، وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين شديدي المخاطر، وبدء مفاوضات جادة لإنهاء الحرب».
كذلك، سيعني هذا الخيار تواصل الضغوط الدولية، بما فيها الضغوط الأميركية، واستمرار استنزاف الجيش الإسرائيلي.
ولأن الدراسة لا تتوقع قبول «حماس» هذا الخيار؛ فسيستدعي ذلك «تصعيد الضغط العسكري الذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار قدرات (حماس) العسكرية والحكومية، وربما يُسهّل إطلاق سراح بعض الرهائن دون مفاوضات ودون أن تسيطر إسرائيل على السكان أو تفرض إدارة عسكرية كاملة» على القطاع.
الخيار الثاني
يقوم الخيار الثاني على قبول شروط «حماس» لإطلاق سراح جميع الرهائن؛ ما سيعني إنهاء الحرب وفق شروط الحركة، بما يشمل انسحاب إسرائيل الكامل من غزة، وبقاء «حماس» القوة العسكرية الأساسية بالقطاع، والإفراج عن أسرى فلسطينيين إضافيين.
ومن مزايا هذا الخيار، حسب الدراسة، أنه «يستجيب لضغوط عائلات الرهائن والرأي العام، ويوقف الخسائر البشرية، ويقلل من إرهاق الجيش والعامة، ويخفف العبء المالي المباشر وغير المباشر، ويحسّن صورة إسرائيل دولياً».
بيد أن عيبه الكبير، كما تقول الدراسة، أنه «لن يحقق الأهداف العسكرية لإسرائيل بحيث تبقى (حماس) كياناً عسكرياً حياً وفكرياً داخل القطاع، وتقديم نفسها منتصراً؛ ما يرفع معنوياتها ويدفعها لتجديد قوتها فيما بعد».
ويشير البحث إلى أن توقع إنشاء سلطة مدنية بديلة عن «حماس» من عرب وفلسطينيين ودوليين، وربط إعادة الإعمار بعدم عودة الأعمال العسكرية، «يبدو تفاؤلاً مفرطاً».
الخيار الثالث ورهانات الاحتلال الكامل
يبقى الخيار الثالث، وهو احتلال قطاع غزة بالكامل وإقامة إدارة عسكرية مؤقتة. وهو خيار يرى الباحثان أن لا بديل عنه في حال فشل الحلول الأخرى.
وقوام الخيار الأخير «فرض احتلال مؤقت، واستحداث إدارة عسكرية لمدة عامين تقريباً تفي باحتياجات السكان، وتفتح المجال لبدائل مدنية وإعادة بناء، وتضمن دعماً مرجعياً دولياً وإقليمياً».
وللترويج له، تقول الدراسة إنه «يمكن أن يتضمن نماذج حكم محلية لمناطق محددة، أو هيكلاً هجيناً يجمع بين الحكم المحلي ونظام فيدرالي يضم غزة كوحدة جغرافية موحدة».
ولا يتردد الباحثان في القول إنه يشمل أيضاً «تنفيذاً جزئياً لخطة الهجرة الطوعية» التي سبق واقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وثمة شروط لنجاح الخيار الثالث وفقاً للدراسة؛ إذ يتعين تقديمه على أنه «ليس استمراراً للحرب، بل هو مرحلة نهاية الحرب». كما يجب توافر شرط سياسي رئيسي، وهو «إعلان إسرائيلي واضح بعدم وجود أي نية لإقامة مستوطنات في غزة، مع تحديد الهدف الأساسي: منع عودة (حماس) قوة حاكمة، وتهيئة الظروف لبناء إدارة مدنية بديلة، والانطلاق في إعادة الإعمار».
ويقول الباحثان إن من مزايا الخيار الأخير «إمكانية تفكيك قدرات (حماس) العسكرية والإدارية، والتقليل من التهديد الإرهابي، وفتح المجال لعودة آمنة لسكان المناطق الحدودية المحيطة بغزة».
أما مصير الرهائن، فإن الدراسة تعدّ أن «العمل العسكري المنظم قد يدفع القيادات الباقية لـ(حماس) إلى إدراك عبثية استمرار الحرب، والتركيز على بقائها واستعادة وجودها خارج غزة. ومن المتوقع أن تحافظ (حماس) على حياة الرهائن بصفتها قيمةً تفاوضية، وقد تدفع السيطرة الإسرائيلية المدنيين الذين يملكون معلومات للكشف عنها».
بيد أن الخيار الثالث يكتنفه الكثير من التحديات والعيوب، ومنها الحاجة إلى قوات كبيرة لا تقل عن أربعة ألوية، ناهيك عن تكلفته المادية المرتفعة، وانعكاساته على صورة إسرائيل، والمسؤوليات الكبرى التي سيكون عليها تحملها في إدارة 2.2 مليون شخص، فضلاً عن مفاقمة التوتر داخل إسرائيل نفسها، وتواصل أنشطة الفصائل الفلسطينية.
بيد أن اللافت، أن الدراسة لا تشير إلى ما سيتكبده أهل القطاع من خسائر بشرية ومادية، ومن تفاقم المآسي والمجاعة.