أعلنت جامعة كولومبيا، الأربعاء، أنها توصلت إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية تدفع بموجبه أكثر من 220 مليون دولار للحكومة الفيدرالية، من أجل استعادة أموال الأبحاث الفيدرالية التي تم إلغاؤها بحجة مكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي، فيما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاتفاق بأنه “تاريخي”.
وعبّر ترمب، في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، عن سعادته بالإعلان عن توصل إدارته إلى “اتفاق تاريخي” مع جامعة كولومبيا. وقال إن الجامعة “وافقت على دفع غرامة قدرها 200 مليون دولار لحكومة الولايات المتحدة لانتهاكها القانون الفيدرالي، بالإضافة إلى أكثر من 20 مليون دولار لموظفيها اليهود الذين تم استهدافهم والتحرش بهم بشكل غير قانوني”، بحسب تعبير ترمب.
وأضاف الرئيس الأميركي أن “كولومبيا التزمت بإنهاء سياسات التنوع والإنصاف والشمول (DEI) السخيفة، وبأن يكون القبول في الجامعة استناداً فقط إلى الجدارة، إلى جانب حماية الحقوق المدنية لطلابها داخل الحرم الجامعي”.
وتابع: “العديد من مؤسسات التعليم العالي الأخرى، التي ألحقت الأذى بالكثيرين، وكانت غير عادلة وغير منصفة، وأنفقت أموالاً فدرالية بشكل غير سليم – وهي في الغالب من أموال حكومتنا – ستكون ضمن ما هو قادم”.
وواصل ترمب: “إنه لشرف كبير أن أكون جزءاً من هذا، وأود أن أشكر وأهنئ الوزيرة ليندا ماكماهون، وكل من عمل معنا على هذه الاتفاقية المهمة. كما أود أن أشكر وأُشيد بجامعة كولومبيا لموافقتها على القيام بما هو صائب. أتطلع إلى رؤية الجامعة تحقق مستقبلًا عظيمًا في بلدنا، وربما أعظم من أي وقت مضى!”.
تفاصيل الاتفاق مع جامعة كولومبيا
وبموجب الاتفاق، ستدفع الجامعة تسوية بقيمة 200 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، حسبما ذكرت الجامعة. كما ستدفع 21 مليون دولار لتسوية مزاعم بوقوع انتهاكات للحقوق المدنية بحق موظفين يهود، وقعت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، حسبما أفاد البيت الأبيض.
وقالت رئيسة الجامعة بالإنابة كلير شيبمان: “يمثل هذا الاتفاق خطوة مهمة إلى الأمام بعد فترة من التدقيق الفيدرالي المستمر وحالة من عدم اليقين المؤسسي”.
وكانت الجامعة مهددة بخسارة محتملة لدعم حكومي بمليارات الدولارات، بما في ذلك أكثر من 400 مليون دولار من المنح التي تم إلغاؤها في وقت سابق من هذا العام. وكانت إدارة ترمب قد سحبت التمويل بسبب ما وصفته بفشل الجامعة في كبح معاداة السامية داخل الحرم الجامعي خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقد وافقت كولومبيا منذ ذلك الحين على سلسلة من المطالب التي وضعتها الإدارة الجمهورية، بما في ذلك إصلاح آلية تأديب الطلاب، وتطبيق تعريف مثير للجدل لمعاداة السامية، تؤيده الحكومة الفيدرالية، ليس فقط على التدريس، بل أيضاً على لجنة التأديب التي تحقق مع طلاب منتقدين لإسرائيل.
واعتبرت شيبمان أن الاتفاق “يضفي الطابع الرسمي على تلك الإصلاحات، مع الحفاظ على استقلالية الجامعة”، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية.
تحول مزلزل
ورأت وزيرة التعليم ليندا ماكماهون أن الاتفاق يمثل “تحولاً مزلزلاً في معركتنا الوطنية لمحاسبة المؤسسات التي تتلقى أموال دافعي الضرائب الأميركيين على التمييز المعادي للسامية”، بحسب وصفها.
وأضافت: “إصلاحات كولومبيا تمثل خريطة طريق للجامعات النخبوية التي ترغب في استعادة ثقة الجمهور الأميركي، من خلال تجديد التزامها بالسعي وراء الحقيقة والجدارة والنقاش المدني”.
تغييرات واسعة
كجزء من الاتفاق، وافقت جامعة كولومبيا على سلسلة من التغييرات التي تم الإعلان عنها مسبقاً في مارس، وتشمل مراجعة منهج دراسات الشرق الأوسط للتأكد من كونه “شاملاً ومتوازناً”، وتعيين أعضاء هيئة تدريس جدد في معهد دراسات إسرائيل والدراسات اليهودية. كما تعهدت الجامعة بإنهاء البرامج التي “تروج لجهود غير قانونية لتحقيق نتائج قائمة على العِرق، أو الحصص، أو أهداف التنوع، أو جهود مماثلة”.
وسيتعين على الجامعة أيضًا إصدار تقرير إلى مراقب مستقل يؤكد أن برامجها “لا تروّج لأهداف غير قانونية تتعلق بالتنوع والعدالة والشمول “.
يأتي هذا الاتفاق بعد أشهر من عدم اليقين ومفاوضات صعبة في الجامعة التي يزيد عمرها عن 270 عاماً. وكانت كولومبيا من أوائل الأهداف في حملة الرئيس دونالد ترمب رداً على احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات.
وأعلنت قيادة الجامعة التي شهدت تداول ثلاثة رؤساء مؤقتين خلال عام واحد أن مناخ الحرم الجامعي يحتاج إلى تغيير.
استجواب الطلاب الدوليين
ويشمل الاتفاق أيضاً التزام الجامعة بطرح أسئلة على المتقدمين الدوليين “مصممة لاستخلاص دوافعهم للدراسة في الولايات المتحدة”، ووضع آليات لضمان التزام جميع الطلاب بـ”الحوار المدني”.
وفي خطوة قد تُسهّل على إدارة ترمب ترحيل الطلاب الذين يشاركون في احتجاجات، وعدت كولومبيا بتزويد الحكومة، عند الطلب، بمعلومات عن أي إجراءات تأديبية بحق طلاب يحملون تأشيرات دراسية، تؤدي إلى الطرد أو الإيقاف عن الدراسة.
إجراءات صارمة
وأعلنت جامعة كولومبيا، الثلاثاء، أنها ستقوم بإيقاف، أو طرد، أو سحب الشهادات من أكثر من 70 طالباً شاركوا في تظاهرة مؤيدة لفلسطين داخل المكتبة الرئيسية في مايو الماضي، وفي اعتصام خلال عطلة نهاية الأسبوع الخاصة بالخريجين في العام الماضي.
وبدأ الضغط على الجامعة بسلسلة من التخفيضات في التمويل. ثم جاء اعتقال محمود خليل، وهو طالب دراسات عليا سابق وكان شخصية بارزة في الاحتجاجات، ليكون أول شخص يُحتجز في إطار حملة إدارة ترمب لترحيل النشطاء المؤيدين لفلسطين ممن لا يحملون الجنسية الأميركية.
وتبع ذلك مداهمات لعدد من مساكن جامعة كولومبيا، في ظل تحقيق تجريه وزارة العدل الأميركية بشأن ما إذا كانت الجامعة قد أخفت “مهاجرين غير شرعيين” داخل الحرم الجامعي. وقد ردّ الرئيس المؤقت للجامعة حينها بأن كولومبيا ملتزمة بتطبيق القانون.
توسّع الإشراف الحكومي
كانت جامعة كولومبيا بمثابة حالة اختبار مبكرة لإدارة ترمب في سعيها لفرض رقابة أشد على الجامعات، والتي يراها الرئيس الجمهوري معاقل لليبرالية. ومع ذلك، سرعان ما طغى على كولومبيا النزاع مع جامعة هارفارد، التي أصبحت أول مؤسسة تعليم عالٍ تتحدى مطالب ترمب وتخوض مواجهة قضائية.
واعتمدت إدارة ترمب على التمويل الفيدرالي للأبحاث الفيدرالي كأداة رئيسية لإعادة تشكيل نظام التعليم العالي. فقد تم تجميد أكثر من 2 مليار دولار أيضاً في جامعات كورنيل، ونورثويسترن، وبراون، وبرينستون، بحسب “أسوشيتد برس”.
وسحبت الإدارة 175 مليون دولار من جامعة بنسلفانيا في مارس بسبب خلاف حول رياضة النساء، وأُعيد التمويل لاحقاً عندما وافقت الجامعة على تعديل سجلات السباحة الخاصة بالرياضية المتحولة جنسيًا ليا توماس، وتغيير سياساتها.
ولم تقتصر الحملة على الجامعات الخاصة. ففي يونيو، وافق رئيس جامعة فرجينيا، جيمس رايان، على الاستقالة تحت ضغط من تحقيق أجرته وزارة العدل بشأن ممارسات التنوع والعدالة والشمول. وتم فتح تحقيق مشابه هذا الشهر في جامعة جورج ميسون.