دفع مشروع السلام الأميركي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى واجهة الجهود الرامية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة. ورغم أن إرث بلير في الشرق الأوسط لا يخلو من الجدل، خصوصاً بعد مشاركته في غزو العراق عام 2003، فإن هناك مكاناً واحداً يُنظر إليه فيه على أنه بطل: كوسوفو. فهل تنجح جهوده للسلام أيضاً في غزة؟
بطل في ذاكرة كوسوفو
في عام 1999، لعب بلير، إلى جانب الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، دوراً محورياً في تشكيل تحالف دولي شنَّ غارات جوية ضد نظام الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش لإنهاء قمعه للألبان الساعين إلى استقلال كوسوفو. وقد ارتفعت شعبية بلير حينها لدرجة أن اسم «توني بلير» أصبح يُستخدم اسماً جديداً للأولاد: «تونيبلر» (Tonibler) باللهجة الألبانية، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».
يقول تونيبلر غاشي، وهو طالب طب في الرابعة والعشرين من عمره في بريشتينا: «أراد والداي أن يعبّرا عن امتناننا واحترامنا للرجل العظيم الذي لولاه لما كنا اليوم نتحدث الألبانية في كوسوفو».
مهمة أصعب في غزة
لكن ما إذا كان بإمكان بلير تكرار نجاحه في غزة – ذات البيئة الأكثر تعقيداً وتقلباً – يبقى موضع جدل واسع.
فوفقاً لخطة السلام الأميركية المقترحة، سيقود بلير هيئة انتقالية دولية تُسمى «مجلس السلام»، يرأسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لتتولى إدارة قطاع غزة مؤقتاً تحت تفويض من الأمم المتحدة.
ستضم الهيئة خبراء دوليين وتقنيين ومسؤولين من الأمم المتحدة وممثلين فلسطينيين، لتشرف على إعادة الإعمار والأمن والإغاثة الإنسانية؛ تمهيداً لإقامة نظام حكم دائم.
لكن الخطة أثارت انتقادات حادة من الفلسطينيين ودول عربية وخبراء قانونيين، عادّين أن ماضي بلير المثير للجدل، خاصة دعمه لغزو العراق، يضعف أهليّته، كما يخشون أن تهمّش الخطة الإرادة الفلسطينية.
وفي تطور لافت، وافقت إسرائيل و«حماس» يوم الخميس على هدنة مؤقتة بعد حرب دامت عامين، تشمل تبادل الأسرى والرهائن.
وشغل بلير منصب مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط لمدة ثماني سنوات، حتى عام 2015، قبل أن يستقيل في ظل تدهور آفاق السلام تحت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
إرث كوسوفو
في كوسوفو، قاد بلير وكلينتون حملة حلف «ناتو» التي استمرت 78 يوماً وأجبرت ميلوشيفيتش على سحب قواته وتسليم الإقليم إلى إدارة الأمم المتحدة و«ناتو». وقد قُتل أكثر من 13 ألف شخص خلال الحرب، معظمهم من الألبان.
قال بلير في الذكرى الخامسة والعشرين لنهاية الحرب عام 2024: «النضال من أجل كوسوفو لم يكن فقط من أجلها، بل من أجل كل من يؤمن بأن الحرية والعدالة تستحقان الدفاع عنهما، حتى بالقتال إن لزم الأمر».
وما زال كثير من الكوسوفيين يعدّونه أحد أبرز القادة الغربيين الذين دافعوا عن قضيتهم وأسهموا في إعادة بناء بلدهم.
تقدير كبير
أشرفت الأمم المتحدة على إدارة كوسوفو حتى إعلان استقلالها عام 2008. وما زالت الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية تعترف بها، في حين ترفض صربيا وروسيا والصين ذلك.
وفي مدينة فريزاي جنوب بريشتينا في كوسوفو، أُقيم تمثال لبلير عام 2023، وأُطلق اسم «ساحة توني بلير» على إحدى الساحات. يقول بشكيم فازليو، من مؤسسة «نحن نتذكر توني بلير»:
«من دون قيادته كنا سنختفي من الوجود. وربما يريد الآن أن ينجز آخر مهمة له في هذا العالم، وأعتقد أنه قادر إن أُتيحت له الفرصة».
بين كوسوفو وغزة
قالت فلورا تشيتاكو، المندوبة السابقة لكوسوفو في الأمم المتحدة: «يمتلك السيد بلير ما يفتقده قادة العالم اليوم: الشجاعة والتعاطف».
أما السياسي الكوسوفي فيتون سوروي، أحد المشاركين في محادثات السلام عام 1999، فقال: «أتمنى أن يُظهر توني بلير في غزة العمق والالتزام ذاتهما اللذين أبداهما في كوسوفو».
لكن في العالم العربي، تبقى صورة بلير مثيرة للانقسام، ويخشى كثيرون أن يُنظر إلى قيادته على أنها وصاية خارجية على الفلسطينيين.