شهد الأسبوع الماضي، صداماً بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش إيال زامير، الذي اختاره بنفسه، بشأن خطة السيطرة على قطاع غزة بأكمله، والتي يعارضها رئيس الأركان.
وعلى مدى أيام من التسريبات التي وصفتها صحيفة “فاينانشيال تايمز”، بـ”المنسقة”، تبادل نتنياهو وزامير اتهامات علنية بشأن خطة رئيس الوزراء لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة لتشمل كامل القطاع الذي يقطنه نحو 2.1 مليون فلسطيني، ما يفتح باب الخلاف بين الحكومة والجيش.
وأشارت الصحيفة إلى تذكير وزراء حكومة نتنياهو للجيش بوجوب امتثاله لأوامرهم، واتهام نجل نتنياهو لقائد الجيش بـ”محاولة تنفيذ انقلاب”.
وفي نهاية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني في إسرائيل، استمر عشر ساعات وشهد نقاشاً حاداً، استعمل نتنياهو سلطته على زامير وأمر الجيش الإسرائيلي بـ”الاستعداد” للسيطرة الكاملة على مدينة غزة، رغم تحذيرات الجيش من أن ذلك “سيجهد قوة مرهقة أصلاً ويعرّض حياة المحتجزين الإسرائيليين للخطر”.
ورفض نتنياهو الخطة البديلة التي اقترحها زامير، باعتبارها “استسلاماً، لن يحقق لا هزيمة حماس ولا استعادة المحتجزين”. ورغم ذلك، قال زامير السبت، إن الجيش سينفذ خطة السيطرة الكاملة على مدينة غزة “بأفضل طريقة ممكنة”، على حد تعبيره.
وتسيطر إسرائيل على 75% من مساحة القطاع، ومدينة غزة هي جزء من الـ25% المتبقية التي لا تسيطر عليها إسرائيل، إضافة إلى عدد من مخيمات اللاجئين في وسط غزة.
انقسامات داخلية
وأشارت “فاينانشيال تايمز”، إلى أن هذه لم تكن هذه المرة الأولى التي يتواجه فيها القادة السياسيون الإسرائيليون مع قادة الجيش علناً، إلا أنه يأتي في وقت تتزايد فيه عزلة إسرائيل الدولية بسبب سلوكها في الحرب على غزة، ما يهدد بـ”تعميق الانقسامات الداخلية وتقويض الثقة في مؤسسات الدولة، بينما يسعى نتنياهو إلى توظيف الجيش الإسرائيلي بما يخدم مكاسبه السياسية”.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع سابق: “كان السياسيون يستمعون للجيش… تغيّرت الأمور في إسرائيل منذ تلك الأيام… كان هناك قدر أقل بكثير من السياسة آنذاك… وتحت هذه الحكومة تجري تغييرات تكتونية”.
اجتماعات مشحونة
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن اجتماعات مجلس الوزراء غالباً ما تكون مليئة بالصراخ، وتبادل الاتهامات بين الوزراء المتشددين وبين بعضهم البعض وبين العسكريين، وتنتهي الاجتماعات بتسريب الأخبار من كل طرف، لـ”تحقيق مكاسب سياسية”.
لكن وتيرة وحجم الاتهامات منذ بدء الحرب على غزة تضخّمت إلى حد كبير، بفعل الانقسامات السياسية الإسرائيلية، وأشارت “فاينانشيال تايمز”، إلى محاولة نتنياهو تحميل قادة الأجهزة الأمنية مسؤولية هجوم 7 أكتوبر، وامتناعه عن التعبير عن أي مسؤولية شخصية.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مساعدي نتنياهو قاموا حتى بتفتيش رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، الذي استقال لاحقاً بسبب إخفاقاته في 7 أكتوبر، بحثًا عن أجهزة تنصت قبل دخوله جلسات الإحاطة.
واستغل حلفاء نتنياهو من اليمينيين المتشددين اعتماد نتنياهو السياسي عليهم لدفع الجيش الإسرائيلي إلى السيطرة الكاملة على غزة، وطرد الفلسطينيين، وإعادة توطين المستوطنين في القطاع، ولوحوا بأن وقف الحرب الآن، يعني أن حماس “ستشن هجوماً جديداً على إسرائيل” بعد فترة.
لكن العديد من كبار ضباط الجيش السابقين والحاليين في إسرائيل يرون الأمور بشكل مختلف، إذ وقّع معظم القادة العسكريين ورؤساء أجهزة الاستخبارات الإسرائيليين السابقين على رسالة تفيد بأن حماس “أصبحت قوة مستنزفة، وأن إسرائيل باتت في موقع قوي بما يكفي لقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب”.
أما زامير، الذي تولّى منصبه في مارس، فعرض خطة تقوم على تطويق الجيش الإسرائيلي لعدد من المناطق في القطاع يعتقد أن مقاتلي حماس فيها، وشن غارات وضربات محددة الأهداف.
وقدّم حلفاء زامير للصحافة الإسرائيلية صورة عن معارضته لخطة نتنياهو باعتبارها وسيلة لتجنيب الجيش المنهك مزيداً من الأعباء وتقليل المخاطر على حياة 20 المحتجزين الإسرائيليين.
وقال مقربون من زامير إن هذه الخطة، “تبقي الباب مفتوحاً لاحتمال التوصل إلى وقف إطلاق نار يتم فيه إعادة المحتجزين”.
وبحسب تسريبات للصحف الإسرائيلية، وبخ زامير مجلس الوزراء الأمني قائلاً إنه إذا أُمر الجيش بتنفيذ خطة نتنياهو، “فعليهم التفكير في إزالة هدف الإفراج عن المحتجزين من أهداف الحرب”.
وقال شخص مطلع على عمل الحكومة الإسرائيلية: “عندما يكون هناك الكثير من الحملات الإعلامية والتسريبات بشأن عملية ما، بما في ذلك الخلافات بين الحكومة والجيش، عندها تعلم أن هناك اعتبارات أخرى تجري خلف الكواليس”.