تواجه مالي التي خرجت قبل أعوام من فلك الدعم الغربي إلى معسكر روسيا ضغوطاً متزايدةً بسبب أزمة وقود تفرضها جماعة متشددة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، تقطع الإمدادات منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط تسريبات إعلام غربية حديثة تشير لاقتراب ذلك التنظيم المسلح الإرهابي من العاصمة باماكو.
ذلك الخطر الجديد الذي يهدد مالي يراه خبير في الشؤون الأفريقية، «حقيقياً هذه المرة في ظل استغلال جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) المتشددة السلاح الاقتصادي ونقص الخدمات»، متوقعاً تدخلاً روسياً وأفريقياً دعماً للحكومة المالية وعدم تحرك دولي مماثل لأسباب بينها رفض موسكو التدخل في مناطق نفوذها بأفريقيا.
ونقلت «الغارديان» البريطانية أن «(جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) المرتبطة بتنظيم (القاعدة) تقترب تدريجياً من باماكو عاصمة دولة مالي في غرب أفريقيا، بعد تصعيد هجماتها في الأسابيع الأخيرة على قوافل الجيش»، مكررةً معلومات مشابهة نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قبل أيام عن مسؤولين غربيين وأفارقة تشير إلى أن تلك الجماعة المصنفة تنظيماً إرهابياً من جانب الولايات المتحدة تتقدم بشكل سريع نحو العاصمة.
وحسب المصادر ذاتها، تفرض «الجماعة منذ أسابيع حصاراً خانقاً على العاصمة، مانعة وصول شحنات الغذاء والوقود فأدى ذلك إلى نقص حاد في الإمدادات وشلل شبه كامل في تحركات الجيش، متتبعة استراتيجية الخنق البطيء بدلاً من الهجوم المباشر، على أمل أن تنهار العاصمة تدريجياً تحت ضغط الأزمة الاقتصادية».

وأعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، منع حركة شحن البضائع من مواني دول غرب أفريقيا نحو مالي، وبدأت تستهدف بشكل خاص صهاريج الوقود.
وأواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكدت حكومة مالي وجود «مخطط خارجي لزعزعة استقرار البلاد»، وأعلنت قبل نحو أسبوع تعليق الدراسة في المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، بسبب صعوبات في إمداد الوقود.
بينما دعت دول غربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وأستراليا في بيانات منفصلة قبل أيام رعاياها إلى مغادرة البلاد فوراً، محذّرة من تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، خصوصاً في ظل أزمة الوقود التي شلّت العاصمة باماكو.
ونفت موسكو الحليفة لباماكو، عبر سفارتها هناك، إصدار تحذير مماثل، ووصفت الأنباء المتداولة بأنها «معلومات زائفة»، في تناقض كبير بين المعسكرين، أحدهما غربي فكت مالي الارتباط به في 2020 عقب انقلاب عسكري آنذاك في أغسطس (آب) والاتجاه نحو المعسكر الروسي.
وخرجت مالي في بيان للخارجية وقتها معبرة عن احترامها لقرار تلك الدول، مشيرة إلى أنها «لاحظت منذ بضعة أيام تزايد الرسائل الصادرة من بعض السفارات عن تهديدات أمنية مزعومة مصحوبة بعبارات مثيرة للقلق».
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن باماكو مهددة هذه المرة بقوة من تلك الجماعة المتشددة التي تفرض حصاراً له أبعاد اجتماعية واقتصادية عبر اللعب على وتر منع الوقود، لافتاً إلى أن هذا الحصار يشتد حالياً وأثر على إمدادات الغذاء وأدى لارتفاع الأسعار وشل حركة القوات الحكومية نحو القيام بهجمات مضادة ضد تلك الجماعة المتشددة.
ولا يستبعد أبو إدريس أن تكون هناك أطراف غربية تستغل الوضع الصعب اقتصادياً وإنسانياً وعسكرياً جراء الحصار لتحقيق مصالحها، خاصة وأن هذه مناطق نفوذ تقليدي لفرنسا قبل أن يتم إزاحتها بشكل كبير منذ سنوات وحل محلها النفوذ الروسي.
وأكد أنه رغم الحديث الغربي عن قرب سقوط العاصمة باماكو في يد المتطرفين الذين تواجههم الحكومة منذ سنوات، فإن التصعيد الأمني في دولة مالي بين الجيش المدعوم من طرف «الفيلق الأفريقي» التابع لوزارة الدفاع الروسية، لا يزال مستمراً مع «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الموالية لتنظيم «القاعدة»، واتسع في الآونة الأخيرة نحو مناطق جديدة في جنوب مالي، وبالقرب من العاصمة باماكو، وفق إدريس.
وزار وفد روسي العاصمة باماكو أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والتقى مع الرئيس الانتقالي الجنرال آسيمي غويتا، حيث أبلغه بقرب موعد وصول شحنات من الوقود والحبوب.
وقاد الجيش المالي انقلاباً عسكرياً عام 2020، وأعلن آنذاك التخلي عن شراكته العسكرية والأمنية مع فرنسا، والتوجه نحو روسيا للتعاون معها في حربه على الإرهاب، واستقبل مئات المقاتلين من مجموعة «فاغنر»، وعقد صفقات سلاح كبيرة مع موسكو، وهو الطريق نفسه الذي سلكته النيجر وبوركينا فاسو التي شكلت تحالفاً عسكرياً مشتركاً في يوليو (تموز) عام 2024.
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي تاريخ الإعلان عن إنشاء تحالف دول الساحل، نُفذت الدول الثلاث بوركينا فاسو والنيجر ومالي عمليات مشتركة ميدانية.
وفي ضوء ذلك يرى الخبير المتخصص في قضايا غرب أفريقيا، عبد المنعم أبو إدريس، أنه سيكون هناك تحرك من دول الجوار لمساعدة مالي، سواء بمساعدات اقتصادية أو عسكرية، بينما سيستمر دعم موسكو، مستبعداً أن يتدخل المجتمع الدولي بسبب أنه يحتاج قرار من مجلس الأمن وهذا سيواجه بفيتو روسي رافض أي وجود غربي في مناطق نفوذه، بخلاف استبعاد تدخل أميركي في ظل عدم وجود قواعد عسكرية قريبة لديه من مالي وحالة الانكفاء على الداخل التي يفرضها الرئيس دونالد ترمب.

