قمة ترمب وشي… اتفاق طويل الأمد أم هدنة مؤقتة؟
في كوريا الجنوبية، جلس الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع شي جينبينغ، رئيس الصين، التي تعدها الاستخبارات الأميركية «أكبر خطر جيوسياسي» يحدق بالولايات المتحدة. الهدف ظاهره مد غصن زيتون بعد انخراط الطرفين في موجة من التجاذبات العلنية وحرب تجارية أشعلتها رسوم ترمب الجمركية من جهة، ومعادن الصين الثمينة من جهة أخرى.
لكن الخلافات بين الطرفين لا تقتصر على الاقتصاد، بل تتعداه لتشمل ملفات أمنية وسياسية حساسة؛ من ملف تايوان، وروسيا وأوكرانيا، إلى قضية «تيك توك»، والمنافسة على النفوذ العالمي والذكاء الاصطناعي. يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق» لقاء ترمب بشي جينبينغ، وما إذا كان يمهّد لمرحلة جديدة من العلاقة بين واشنطن وبكين أم أنه مجرد مناورة لكسب الوقت قبل جولة المواجهة المقبلة.
مخرجات الاجتماع

يقول جاك بيرنهام، الباحث المختص في شؤون الصين بمعهد الدفاع عن الديمقراطيات، إن كلا الجانبين خرج بانتصارات رمزية بعد الاجتماع. ويشير إلى أنه، في اجتماعات من هذا النوع، عادة ما تكون هناك رغبة أولية في تحقيق انتصار رمزي سريع، محذّراً من احتمال اتخاذ الولايات المتحدة أو الصين قرارات جديدة تؤدي إلى مواجهة أخرى، سواء أكانت رسوماً جمركية جديدة أو ضوابط صينية على تصدير المعادن النادرة.
وفيما أشارت يان بينيت، البروفسورة في جامعة جورج واشنطن، إلى احتمال تحقيق المزيد من التقدم على مستوى العمل في الأسابيع والأشهر المقبلة بين البلدين عبر إجراء محادثات في واشنطن أو بكين، اعتبر روبرت روس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بوسطن عضو المجموعة الاستشارية التابعة لفريق العمل الأميركي – الصيني في الكونغرس، أن مخرجات الاجتماع أظهرت إطاراً أساسياً لاحتمال الاتفاق، مشيراً إلى أن هذه الأطر تميل إلى أن تكون «فارغة إلى حد ما، وتتطلب التنفيذ».
وأضاف روس: «أعتقد أن كل طرف لا يثق في أن الطرف الآخر سيتخذ الخطوات الأولى. في غضون ذلك، لا نزال نمارس رقابة واسعة على قضايا الأمن القومي، بما في ذلك المعادن النادرة والتكنولوجيا المتطورة. أعتقد أن التوتر سيستمر في التصاعد حتى انعقاد قمة بكين، ثم سنشهد مرة أخرى توتراً شديداً قبل القمة».
علاقات متداخلة

سلّطت بينيت الضوء على أهمية إقامة علاقة «أكثر إيجابية» مع الولايات المتحدة بالنسبة للرئيس الصيني، موضحة: «تواجه الصين مشكلة شيخوخة السكان. كما أنها تعاني من معدل بطالة مرتفع بين الشباب. في الوقت الحالي، يمثل الاقتصاد مصدر قلق كبيراً للحزب الشيوعي وللرئيس شي جينبينغ». وتابعت أن «إقامة علاقة أكثر إيجابية مع الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر سوق للصين، أمر بالغ الأهمية بالنسبة لشي للحفاظ على شرعيته لدى الشعب الصيني ولدى الحزب نفسه».
ولهذا السبب، تصف بينيت ما جرى في الاجتماع بالخطوة الصغيرة، لكن الإيجابية بالنسبة للصين، مضيفة: «بعض الخطوات التي اتخذتها الصين، مثل القول إنها ستفرض ضوابط على تصدير المعادن النادرة، على سبيل المثال، مجرد لعبة بين البلدين. ستستمر هذه اللعبة لعدة سنوات. لكننا نرى أيضاً أن الولايات المتحدة والصين بحاجة إلى بعضهما البعض، لذا عليهما التعاون إلى حد ما، كما عليهما تنفيذ التنازلات المتبادلة في هذه المفاوضات».
لكن روس يخالف بينيت الرأي، مشيراً إلى أن الصينيين يشعرون بأنهم يدخلون في هذه الاتفاقية بميزة، ولهذا هم مترددون في تقديم أي تنازلات لإدارة ترمب حتى الآن.
وقال روس إن الجانب الصيني سيكون «حذراً للغاية قبل تنفيذ الاتفاقيات لمعرفة ما إذا كان ترمب مستعداً للرد بالمثل». وأضاف: «الصينيون واثقون؛ فهم يشهدون معدل نمو أعلى في الناتج المحلي الإجمالي. وصادراتهم آخذة في النمو. وسوقهم مهمة للعالم الثالث. وتقدمهم التكنولوجي يعادل أو يقترب من الولايات المتحدة. أما الولايات المتحدة، فتعاني من معدلات بطالة أعلى، وتضخم أعلى، واستقطاب سياسي، وعدم استقرار داخلي».
تايوان والحرب الروسية – الأوكرانية

من الملفات المهمة التي غابت عن قمة ترمب وشي ملف تايوان. وتعتبر بينيت أن عدم ذكر الملف أمر جيد؛ نظراً لتخوُّف كثيرين من احتمال تغيير ترمب للوضع الراهن في تايوان، مضيفة: «نعتمد سياسة الصين الواحدة منذ عام 1972. لم يتغير الكثير. لقد قمنا بتغيير بعض التفاصيل هنا وهناك على مر السنين. ولكن، في الأساس، كانت السياسة هي نفسها لعدد كبير من السنوات. نسميها غموضاً استراتيجياً، لكنني لا أعتقد أن هناك الكثير من الغموض في الواقع؛ إذ لا تريد أي من الجهات الثلاث تغيير الوضع الراهن. لا أحد يريد أن تعلن تايوان استقلالها. حتى سكان تايوان أنفسهم لا يريدون إعلان الاستقلال، لأنهم يدركون أن ذلك سيؤدي إلى اضطراب كبير في أمن منطقة المحيط الهادئ».
في المقابل، تطرق الطرفان إلى ملف الحرب الروسية – الأوكرانية. وتقول بينيت إن ترمب يحتاج إلى مساعدة الصين للتأثير على روسيا. ومن هذا المنطلق، يسعى الرئيس الأميركي إلى إبرام اتفاق طاقة مع بكين، أملاً منه أن تبدأ في شراء النفط والغاز الأميركي، وتقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي، وبالتالي التخفيف من دعمها للمجهود الحربي لموسكو».
«تيك توك»

منصة التواصل الاجتماعي التي تنتظر إتمام صفقة بين البلدين بشأنها، غابت عن طاولة النقاش؛ إذ لم يتم الإعلان رسمياً عن التوصل إلى أي اتفاق.
يشير بيرنهام إلى أن الصينيين ينظرون إلى «تيك توك» على أنها «ورقة مساومة مماثلة للفنتانيل وفول الصويا»، وأنهم سيسعون إلى الحصول على شيء ما من الجانب الأميركي قبل موافقتهم على أي اتفاق. وأضاف: «أعتقد أنهم، حتى الآن، لا يرون أن هناك حافزاً لتنازلهم عن المسألة. وسيستمرون في التمسُّك بموقفهم للحصول على تنازلات من الجانب الأميركي».
من ناحيته، يقول روس إنه على الرغم من تأكيدات ترمب بأن الصين وافقت على الاتفاق، فإنها «لم توافق أبداً». ويفسر قائلاً: «هذه مجرد حيلة دعائية من دونالد ترمب، والصينيون يكتفون بالانتظار ليروا ما سيحصلون عليه في المقابل».
وهنا تستغرب بينيت التركيز على منصة «تيك توك» فقط، مشيرة إلى وجود العديد من الشركات الصينية، لا سيما شركات التواصل الاجتماعي، التي تعمل في الولايات المتحدة، ولا يتم ذكرها على الإطلاق، مثل «وي تشات».
ولفتت بينيت إلى «أصل الخلاف» حول هذه التطبيقات، الذي يرتبط مباشرة بتخزين بيانات المستخدمين في خوادم صينية. وتقول: «يتطلب قانون توطين البيانات المعتمَد في الصين أن تكون جميع البيانات مخزَّنة على خوادم صينية. لدينا العديد من الشركات الأميركية – الصينية التي تعمل في الصين حيث يتم تخزين البيانات على خوادم صينية. لا يتعلق الأمر بالتجسُّس أو استخدام (تيك توك) للتجسُّس علينا، ولكن أين تذهب البيانات؟»
ورأت أن هذه المخاوف المتعلقة بالخصوصية وقدرة الصين على الوصول إلى البيانات الأميركية هي ما يثير قلق الأجهزة الأميركية.

 
									 
					