خيّمت حالة من التشاؤم على قطاع كبير من السودانيين، بعد تأجيل اجتماع كان مقرراً، الأربعاء، في العاصمة الأميركية واشنطن، بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات، لبحث الأزمة السودانية.
وأبلغت مصادر مطلعة في واشنطن “الشرق”، قبل يوم واحد من الاجتماع بأن الولايات المتحدة قررت تأجيله من 30 يوليو الجاري، إلى موعد يحدد لاحقاً، مشيرة إلى أن واشنطن ليست جاهزة بخطة نهائية أو ضمانات حتى اللحظة حول المخرجات المنتظرة لاجتماع الرباعية بشأن السودان.
وهذه هي المرة الثانية التي يتأجل فيها الاجتماع، إذ كان مقرراً في 21 يوليو.
استبعاد أطراف الحرب
وفيما لم يصدر أي تعليق من واشنطن بشأن أسباب التأجيل، أشارت مصادر إلى وجود خلافات شديدة في وجهات النظر بين أطراف الرباعية، لم تستطع الولايات المتحدة تجاوزها قبيل الاجتماع، ما دفعها لتأجيله حتى لا يكون مصيره الفشل الذي خيم على “مؤتمر لندن”، في أبريل الماضي.
وأرجعت مديرة مكتب صحيفة “الشرق الأوسط” في واشنطن، هبة القدسي، التأجيل إلى خلافات نشبت بين أطراف الاجتماع، أبرزها استبعاد أطراف الحرب من الاجتماع، معتبرة أن الولايات المتحدة لديها ما سمته “سياسة رمادية” تجاه السودان.
واعتبرت القدسي في حديثها لـ “الشرق”، أن ملف السودان، “لا يحظى بترتيب متقدم في أولويات واشنطن، التي تتعاطى مع الأزمة بمنطق التوازن لا الحسم، وتفضل عدم ممارسة ضغوط حقيقية لوقف النار، على الرغم من أنها في الوقت ذاته، قلقة من تحوّل السودان إلى ساحة نفوذ للصين وروسيا، ومن تهديد الملاحة في البحر الأحمر، كما أنها منزعجة من محاولة الإسلاميين السيطرة على الحكم في السودان”.
وقالت مصادر قريبة من صنع القرار في واشنطن لـ “الشرق”، إن منع الأطراف المتحاربة في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع) من المشاركة في الفترة الانتقالية، لم يكن مطروحاً على جدول أعمال الاجتماع.
وأضافت أن الرؤى “بدت متطابقة بشأن معالجة الأزمة بين بعض أطراف الاجتماع، فيما كانت لدى أطراف أخرى أفكاراً مختلفة”، معتبرة أن هذا الخلاف لا يعني الفشل فقط، وإنما إفساح المجال لما سمته “إجراءات كبيرة” دون أن توضح طبيعة هذه الإجراءات.
وأوضحت المصادر في حديثها لـ”الشرق”، أن إحدى الدول الأربعة (لم تسمها) قررت قبيل الاجتماع، خفض تمثيلها من وزير إلى دبلوماسي، الأمر الذي أثار حفيظة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ودفعه إلى تأجيل المفاوضات.
الباحث السياسي السوداني، عيد إبراهيم بريمة، اعتبر أن فشل الاجتماع كان متوقعاً بسبب استبعاد أطراف الحرب الدائرة منذ أبريل 2023، مضيفاً أن تعثر الاجتماع يضع السودانيين “تحت سلطتي أمر واقع في بورتسودان ونيالا”، وسط مخاوف بشأن الاتجاه نحو تقسيم السودان في ظل حكومتي نيالا وبورتسودان.
فشل الدبلوماسية يدفع نحو خيارات “القوات الدولية”
أستاذة القانون الدولي والدستوري في جامعة النيلين، زحل إبراهيم، لم تستبعد إقدام مجلس الأمن الدولي على إرسال قوات إلى السودان بسبب الأوضاع الإنسانية التي تتدهور باستمرار، حال تعثر الجهود الدولية والإقليمية لطي صفحة الحرب.
وتوقعت، في تصريحات لـ “الشرق”، أن يبحث مجلس الأمن تطبيق الفصل السابع الذي يسمح بإرسال قوات دولية، نتيجة انعدام فرص السلام وما تمثله حرب السودان من تهديد للسلام والأمن الدوليين.
ووصفت أستاذة القانون الدولي والدستوري في جامعة النيلين، الوضع الدستوري في السودان حالياً، بأنه “معقد للغاية”، خاصة في ظل وجود دستورين، وبالتالي “دولتين”، ما يؤدي بالتالي إلى تفتيت البلاد.
الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات الدولية في الخرطوم، أمين إسماعيل، قال في تصريحات لـ”الشرق”، إن الرباعية تضم ما سماه “دولاً مفتاحية” في المنطقة، بوسعها أن تساعد في وقف الحرب وإعادة الإعمار في السودان، كما أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع الأطراف السودانية، مشيراً إلى سيناريو محتمل يلوح في الأفق، إذا فشلت مساعي جمع الجيش والدعم السريع حول طاولة التفاوض، وهو “فرض السلام” عبر قوات دولية، وهو نفس ما حذرت منه زحل أمين، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “العالم والإقليم لن يسمحا بتقسيم السودان”.
وحذر الكاتب والمحلل السياسي، عثمان النجيمي، من أن يؤدي ما سماه “قانون الوجوه الغريبة وجزّ الرؤوس” وحرمان سكان دارفور وبعض أجزاء كردفان من الخدمات الأساسية، إلى “مستقبل قاتم”.
وقال لـ “الشرق” إن السودان، ربما يكون قريباً من “الفصل السابع”، في إشارة إلى تدخل قوات دولية.
أما الكاتب الصحفي طاهر المعتصم، فتوقع أن يؤدي ما وصفه بـ”فشل الرباعية” والجهود الدولية والإقليمية، إلى “سيناريو ليبيا” في إشارة إلى وجود حكومتين.