لا أحد يريد أن يشيخ، ولا أن يسمح لآثار التقدّم في السن بأن تتسلّل إلى وجهه وجسده. السعي وراء حياةٍ أطول صيحةٌ تغزو العالم منذ فترة، وقد ازداد اهتمام الأفراد كباراً وصغاراً بالأمر، لاجئين إلى وسائل متعددة لكسب مزيدٍ من السنوات في أعمارهم.
«لا يكفي أن نسعى إلى عمرٍ أطول، بل إلى أسلوب حياة صحي يؤخّر العَجز، وحتميّة الاتّكال على الآخرين». مستعينةً بالواقعية، وبمفاتيح علمية، تتحدث الطبيبة لين عبدو، الاختصاصية في أمراض الشيخوخة والطب التلطيفي، عن مجموعةٍ من السلوكيات اليومية التي تسهم في تأخير آثار العمر.
الـ50 هي الـ40 الجديدة
البشر جميعاً مبرمجون كي يشيخوا، وتقتضي الطبيعة الفسيولوجية بأن تتعرّض الخلايا للأكسدة مع التقدّم في السن، ما يضائل إمكانية تجدّدها. وكلّما عبرت السنوات على المرء، تضرّر الحمض النووي لديه، وصارت احتمالات الالتهابات المزمنة واردة.
لكن في مقابل هذه الأخبار السيئة، ثمة أخبارٌ إيجابية تبثّها الدكتورة عبدو؛ «إذا كانت العوامل الجينية مسؤولة إلى حدٍ كبير عن التقدّم في السن، فإنّ اعتماد أسلوب حياة صحي يغلبها. 30 في المائة من مسببات الشيخوخة جينيّ، وهذا لا مفرّ منه، ولا يمكن تغييره، لكنّ الـ70 في المائة المتبقية يمكن الوقاية منها من خلال العناية الغذائية، والرياضية، والذهنيّة، والنفسية».
في يد الأجيال الحالية أدوات كثيرة تجعل من تأخير عوامل التقدّم في السنّ مهمة أسهل مما كانت عليه مع الأسلاف. أي إنّ الأجيال السابقة كانت تصل إلى الشيخوخة الصحية والشكليّة بسرعةٍ أكبر. لذلك راجت في الآونة الأخيرة عباراتٌ مثل «50 is the new 40» و«40 is the new 30»، بما معناه أنّ في زمننا هذا مَن هم في الخمسين يمكنهم أن يبدوا وكأنهم في الأربعين، والأربعينيون يظهرون وكأنهم ثلاثينيون.
طعامك يؤخّر شيخوختك
ربما يظن كثيرون أن تأخير الشيخوخة يُختصر بإبرة بوتوكس تمحو التجاعيد، أو بصباغٍ يخبّئ الشَيب في الرأس، أو بجراحةٍ لشدّ الوجه، لكنّ الوقاية تبدأ بما يدخل إلى الفم.
تنصح الدكتورة عبدو باعتماد الحمية المتوسطية المرتكزة إلى زيت الزيتون، والأسماك، والحبوب الكاملة، والخضار، والفاكهة. ومن أجل شيخوخةٍ أبطأ، من الضروري الحدّ من استهلاك السكّر، والملح، والدهون المشبعة، والأطعمة المصنّعة، والكحول، والامتناع نهائياً عن التدخين.
أما العناصر الغذائية الغنية بمضادات الأكسدة فمفتاحٌ أساسيّ لإبطاء الآثار غير الصحية للتقدّم في السن. تطول اللائحة لكنّ أبرز تلك الأطعمة هي: الشوكولاته الداكنة، والفاكهة الحمراء مثل التوت والفراولة، والخضراوات الورقية الخضراء مثل السبانخ والكرنب والبروكلي، إضافةً إلى الجزَر، والجوز. يجب الإكثار كذلك من الحمضيات الغنية بالفيتامين C، ومن المكسّرات والبذور النيئة الغنية بالفيتامين E.
تؤكّد الدكتورة عبدو أن «اعتماد حميةٍ غذائية صحية يلعب دوراً أساسياً في التخفيف من عوامل الشيخوخة، بما أنه يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكّري، والسرطان، وألزهايمر، والخرَف».
ومن بين الأطعمة التي يجب التركيز عليها الأفوكادو، والشاي الأخضر، والرمّان، إضافةً إلى كل ما يحتوي على الزنك والسيلينيوم، مثل المحار والجمبري والتونا واللحوم الحمراء والفاصوليا والعدس والحمّص وبذور اليقطين والحبوب الكاملة.
تمرَّن أكثر تَعِش أطول
استثمر في جسدك منذ الصغر لئلّا يخيّبك في الكبر. هذه هي القاعدة الذهبية التي يجب اتّباعها من أجل كسب مزيدٍ من السنوات والوصول إلى «شيخوخة شابّة». من هنا، تنصح الدكتورة عبدو بممارسة الرياضة بمعدّل نصف ساعة يومياً. «يجب التركيز على 4 أنواع من الرياضة»، تقول الطبيبة. «أولاً: تقوية العضلات من خلال تمارين رفع الأثقال والبيلاتيس. ثانياً: تمارين التحمّل التي تشمل المشي السريع، والسباحة، وركوب الدراجة الهوائية، والرقص. ثالثاً: تمارين التوازن. أما رابعاً: فيجب تفعيل المرونة من خلال رياضات مثل اليوغا».
وتضيف أن كل تلك السلوكيات الرياضية، إذا جرى الالتزام بها، تقلل من مخاطر السقطات، وتحسّن الدورة الدموية، وتجنّب الإصابة بأمراض القلب، كما أنها تؤخر الخرَف وألزهايمر بنسبة 30 إلى 40 في المائة.
توصي «جمعية القلب الأميركية» بـ150 دقيقة أسبوعية من الرياضة المعتدلة، وقد أثبتت الدراسات كافةً أن النشاط البدني يلعب دوراً محورياً في تأخير العجز، ويقلل بنسبة 25 في المائة من مخاطر الموت المبكر.
اعتنِ بنفسِك… وبعقلك
لا يكفي الاعتناء بالجسد من خلال الطعام والرياضة لبلوغ شيخوخة صحية، بل يجب الاهتمام بالعقل وبالصحة النفسية كذلك. في هذا الإطار، تنصح الدكتورة عبدو بمجموعة من السلوكيات التي تحافظ على شباب الذهن، وتؤخّر تدهوره.
«من المحبّذ أن يتعلّم المرء دائماً أموراً جديدة، مثل العزف على آلة موسيقية، أو دراسة لغة لا يعرفها، ولا مانع من أن يبدأ في سن متقدمة»، تقول عبدو. كذلك تنصح الطبيبة بالانشغال بالكلمات المتقاطعة، أو غيرها من الألعاب المحفّزة للذهن.
كما الصحة الذهنية، كذلك تحصّن الصحة النفسية المرء ضد الآثار المتعبة للشيخوخة. أما أبرز مفاتيح الاعتناء بها، فهي ممارسة تمارين الاسترخاء بشكلٍ منتظم كالتأمل والتنفّس، وقضاء بعض الوقت في الطبيعة، وبناء شبكة من العلاقات مع الأهل والأصدقاء، والحفاظ على حياة اجتماعية نشطة.
وقد أثبتت الدراسات أن إدارة التوتر والاعتناء بالصحة النفسية يلعبان دوراً محورياً في التخفيف من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، والخرف، والوفيات المفاجئة.
شبابُك في نومِك
غالباً ما تتضاءل ساعات النوم مع التقدّم في السنّ، ويصبح قضاء ليلة هانئة مهمة شبه مستحيلة. إلا أن النوم السليم، بمعدّل 8 ساعات في الليلة، ضروري لتأخير آثار التقدم في السن. لا تمانع الدكتورة عبدو في أن يلجأ مَن يعانون من الأرق المزمن إلى مادة الميلاتونين، وهي متمّم غذائي يساعد في النوم، كما أنه يَقي من الخرف.
وتشير الدراسات إلى أنّ الحصول على قدر كافٍ من النوم العميق يحدّ من مخاطر الإصابة بالسرطان، والجلطة الدماغية، والخرَف.
أساليب حديثة لتأخير الشيخوخة
خلال السنوات الأخيرة دخلت على خطّ تأخير الشيخوخة تقنياتٌ حديثة يقال إنها تُساعد في التخفيف من آثار التقدّم في السن. معظمها مكلف، لكن التهافت عليها يشهد ذروة عالمية.
– غرف الضغط العالي
في غرفة الضغط العالي، (Hyperbaric Chamber) يجري العلاج بالأكسيجين من خلال ضخّه في الجسد عبر التنفّس بنسبة 100 في المائة. أما أبرز نتائج تلك التقنية فهي تجديد الأنسجة، والتخفيف من الالتهابات، وتحفيز إنتاج مادة الكولاجين، وبالتالي تحسين مرونة البشرة، ومظهرها.
– الأشعّة تحت الحمراء
لا تقتصر منافع العلاج بالأشعة تحت الحمراء (Infrared Therapy) على تخفيف التجاعيد، بل تحفّز خلايا الجسد، ما ينعكس إيجاباً على الدورة الدموية، ويحدّ من الالتهابات.
– التنقيط الوريدي
من أبرز الصيحات في عالم الحفاظ على الشباب والجمال، العلاج بالتنقيط الوريدي أو الـIV Drips. وتقوم تلك التقنية على مزج خليط من المعادن والفيتامينات وضخّها في الجسد من خلال المصل.
لا تمانع الدكتورة عبدو من اللجوء إلى تلك الأساليب الحديثة، إلا أنها توضح أنه لا يوجد دليل علمي حتى الآن يؤكد أنها تقي من الشيخوخة. لذلك، فهي تصرّ على أنّ الضمانة الوحيدة تكمن في الغذاء، والرياضة، والعناية النفسية والذهنية.