أقامت الصين عرضاً عسكرياً موسعاً في بكين الأربعاء، جمع بين الاستعراض الميداني للقوة والرسائل السياسية، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينج إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، في مشهد لافت تزامن مع استعراض واسع لترسانة الجيش الصيني، شملت صواريخ استراتيجية قادرة على الوصول إلى قواعد أميركية.
ومن الميدان السماوي تيانانمين، ترأس شي عرضاً عسكرياً استمر 90 دقيقة لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلى يمينه وقف بوتين الذي يخوض حرباً في أوكرانيا، لم تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي احتفى العرض بمرور 80 عاماً على نهايتها، وعلى يساره الزعيم الكوري الشمالي الذي يمد ساحات القتال الروسية في أوكرانيا، بالجنود والأسلحة.
وفي واشنطن كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتابع، قبل أن يتهم شي وبوتين وكيم بالتآمر على الولايات المتحدة، وحاول تذكير الرئيس الصيني بـ”التضحيات التي قدمتها الولايات المتحدة للصين، لمساعدتها في نيل حريتها من غزاة أجانب غير ودودين”.
وقالت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، إنه ينظر للعرض من قبل كثيرين على أنه “استعراض للقوة العسكرية المتنامية للصين، ومحاولة من بكين لترسيخ مكانتها القيادية على الصعيد العالمي وإظهار نفوذها الدبلوماسي المتصاعد”.
وأشارت إلى كلمة شي الافتتاحية، والتي قال فيها إن الشعب الصيني “يقف بحزم إلى جانب التاريخ، وتقدم الحضارة الإنسانية”. وأشاد بدولته “القوية والمعتمدة على نفسها” كـ “أمة عظيمة لا تخشى العنف”، معتبراً أن “نهضة الأمة الصينية لا يمكن إيقافها”.
الصورة الأبرز في استعراض شي العسكري
وبالنسبة للكثيرين في الغرب، لم تكن الطائرات المقاتلة الشبحية، أو الصواريخ الأسرع من الصوت، أو الصواريخ النووية هي الصورة الأبرز في العرض العسكري الكبير، بل المشهد الذي جمع شي جين بينج وفلاديمير بوتين وكيم جونج أون جنباً إلى جنب، في استعراض غير مسبوق للتضامن في مواجهة الغرب، وفق ما ذكرت شبكة CNN.
وقالت CNN إنه بالنسبة لشي، فإن اصطفاف بوتين وكيم الاستراتيجي مع رؤيته لنظام عالمي جديد منحهما مقعدين أساسيين في هذا الحدث الكبير، الذي يحتفي بالسلام، وهو ما يبدو أنه “أهم عنده من أدوارهما في إشعال واستمرار حرب أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص”.
وخلال لحظات مختلفة من العرض، ظهر القادة الثلاثة، الذين لم يسبق أن اجتمعوا علناً من قبل، وهم يميلون نحو بعضهم البعض، ويتبادلون كلمات قليلة، أو يبتسمون معاً.
واعتبرت CNN أن “هذا الاستعراض المتعمد للوحدة يُعد رسالة مباشرة ضد محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتعثرة لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا، وتحدياً علنياً لقيادة الولايات المتحدة العالمية الآخذة في التراجع تحت إدارة ترمب”.
الرسالة وصلت لترمب
وذكرت الشبكة أنه يبدو أن ترمب تلقى تلك الرسالة، إذ كتب على منصته “تروث سوشيال” أثناء العرض: “أتمنى للرئيس شي وللشعب الصيني الرائع يوم احتفال عظيم ومستدام. رجاءً أبلغوا أحر تحياتي لفلاديمير بوتين وكيم جونج أون، فيما تتآمرون ضد الولايات المتحدة”.
وأضافت الشبكة أن العرض العسكري صُمّم لإيصال رسالة مفادها أن رؤية شي جين بينج لنظام عالمي جديد تتربع فيه الصين على القمة ستكون مدعومة بترسانة من الأسلحة عالية التقنية، التي تبدو في كثير من الحالات متقدمة على منافسي بكين.
ورغم أن التركيز بعد العرض سينصبّ بشكل كبير على الأسلحة النووية بعيدة المدى، مثل الصاروخ الباليستي العابر للقارات DF-61، إلا أن الأهم على المدى البعيد قد يكون أسلحة مثل أنظمة الدفاع الجوي بالليزر المثبّتة على الشاحنات والسفن، وفق CNN.
الترسانة العسكرية الصينية
وإذا كانت هذه الأنظمة قد دخلت فعلاً الخدمة بأعداد في قوات جيش التحرير الشعبي، كما أشارت الصين في مؤتمرات صحافية سبقت العرض، فإنها قد تطرح مشكلات حقيقية أمام أي خصم يحاول التصدي للتحركات العسكرية الصينية في المنطقة.
وأشارت الشبكة الأميركية إلى أن الكمية الهائلة من العتاد العسكري التي عُرضت تُظهر أيضاً أن للصين “قوة صناعية قادرة على دعم خطابها، وربما في نهاية المطاف فرض رؤية شي للعالم”.
وشددت على أن هذه هي نفس القدرة الصناعية التي وظفتها الولايات المتحدة للفوز في الحرب العالمية الثانية، والتي كان العرض العسكري الأربعاء يحيي ذكراها.
لكن في حين أن الصناعة الأميركية كانت السبب في القضاء على قوى المحور قبل 80 عاماً، في صراع خاضته القوات الشيوعية الصينية إلى جانب القوى الغربية، فإن الولايات المتحدة الآن لم تعد تمتلك القدرة على إنتاج الأسلحة بنفس الأعداد التي تستطيع الصين إنتاجها، وفق CNN.
وقال مالكولم ديفيس، كبير المحللين في استراتيجيات الدفاع بالمعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية: “ما يُظهره الصينيون هنا هو قدرتهم على تطوير قدرات عسكرية متقدمة بأنفسهم، ونشرها عملياً، والقيام بذلك بوتيرة أسرع مما نراه يحدث في الغرب”.