انطلقت، الثلاثاء، مفاوضات إعادة ضبط العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد “بريكست”، على الرغم من الخلافات المالية بين الجانبين، وهي مفاوضات روج لها كثيراً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لكنها من المتوقع أن تُحيي بعض “الذكريات المؤلمة”، وفق مجلة “بوليتيكو”.
وكان ستارمر قد توصل قبل 6 أشهر إلى “تفاهم مشترك” مع الاتحاد الأوروبي خلال قمة ودية استضافتها لندن.
وتعهد الجانبان، اللذان حرصا على تجاوز سنوات من الخلافات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد في عام 2016، بتسهيل تجارة الأغذية والكهرباء، وتيسير فرص العيش للشباب في الخارج، وربط أسواق الكربون، وتعزيز التعاون الدفاعي.
كما اتفق الطرفان على تخفيف الجوانب الأكثر تشدداً في اتفاق “بريكست” المثير للجدل الذي أبرمه رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون. واتفقا على تسوية “التفاصيل المزعجة” خلال العام المقبل.
لكن بعد 6 أشهر، بدا أن الوصول إلى صلب الموضوع ليس بالمهمة السهلة. وكما هو الحال دائماً، يتمحور جانب كبير من الخلاف حول المال.
مطالب متزايدة
شهدت المراحل الأولى من المحادثات ما وصفه رئيس لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان البريطاني، بأنه “مطالب أوروبية متزايدة بالحصول على أموال بريطانية”.
وتريد بروكسل من لندن الدفع مقابل اتفاق الأغذية الزراعية المرتقب. وتريد أموالاً لبرنامج “إيراسموس” Erasmus الطلابي، وتمويلاً لاتفاق تجارة الكهرباء، ومساهمة مالية للانضمام إلى برنامج “سيف” SAFE لإعادة التسلّح.
والأسبوع الماضي، اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد على ضرورة أن تسهم بريطانيا في “صناديق التماسك” الأوروبية، وهي مبالغ تُخصص لتقليص الفوارق الاقتصادية بين الدول الأعضاء.
وإلى حد ما، كانت بريطانيا مستعدة لتحمل تكلفة تحسين وصولها إلى الأسواق الأوروبية. فقد أقر وزير شؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نك توماس-سيموندز، بأن بريطانيا ستضطر إلى دفع مساهمات تغطي “تكلفة الإدارة” والمشاركة في البرامج التي تقوم على تجميع الموارد، شرط إجراء “تحليل دقيق لقيمة المال”.
لكنه كان واضحاً في الوقت نفسه، بأن بريطانيا “لن تقدم مساهمة عامة في ميزانية الاتحاد الأوروبي” ضمن عملية إعادة ضبط العلاقات.
ومن المقرر أن تقدم وزيرة المالية، راشيل ريفز، هذا الشهر، ميزانية حكومية “مؤلمة” يُتوقع أن تشمل زيادات ضريبية وخفضاً في الإنفاق.
تعامل حذر
وحتى داخل الاتحاد الأوروبي، هناك من يخشى أن يؤدي الإلحاح على بريطانيا لتحمل كل هذه التكلفة إلى عواقب في علاقة الطرفين عبر القناة.
ففي الأسبوع الماضي، سعت مجموعة صغيرة من الدول، بينها ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيرلندا، إلى تخفيف لهجة المطالب الخاصة بمساهمات بريطانيا في صناديق التماسك خلال اجتماع لسفراء الاتحاد.
وقد أعربت تلك الدول عن قلقها من أن الضغط المفرط قد يضر بالعلاقات إلى حد يعرقل أجزاء من إعادة الضبط التي ترغب هي نفسها في إنجازها، لا سيما اتفاق تجارة الكهرباء.
ونقلت “بوليتيكو” عن دبلوماسي أوروبي قوله: “لقد توصلنا إلى اتفاق في مايو، ويجب أن يشكل هذا الاتفاق أساس محادثاتنا. لذلك لا ينبغي لنا أن نعود في نوفمبر ونحاول إضافة مساهمات لصناديق التماسك لم نتفق عليها في مايو، حتى لو كنا نرى أن المبدأ مبرر. علينا أن نحرص على علاقتنا مع بريطانيا”.
ورغم رغبة بعض الدول في اتباع نهج أكثر مرونة، يتفق الجميع على أن تلك المساهمات ستكون ضرورية في نهاية المطاف.
وقال دبلوماسي أوروبي ثانٍ لـ”بوليتيكو”: “لا يمكن لدولة غير عضو أن تتمتع بمزايا تضعها في موقع أفضل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. على مدى السنوات، كانت جميع الدول غير الأعضاء التي تتمتع بالوصول إلى السوق الموحدة مطالبة بتقديم مساهمات مالية في صندوق التماسك… وهذا كان نهجنا دائماً”.
وفي النهاية، جاء نص تسوية يطالب المفوضية الأوروبية بـ”النظر في مستوى المساهمة المالية المناسب”، التي ينبغي على لندن تقديمها، مع تسريع بدء محادثات تجارة الكهرباء قبل نهاية العام.
وتأمل الدول الأوروبية الأعضاء في التكتل، أن يسمح هذا الموقف المتفق عليه بمضي المحادثات بسرعة، مع إرسال إشارة واضحة إلى لندن بأنها مطالبة بالدفع مقابل أي مزايا تحصل عليها.
خلافات مالية
وتظهر مؤشرات على أن تركيز الاتحاد الأوروبي على الجانب المالي، يعطل سير المحادثات. فالمفاوضات بشأن مشاركة بريطانيا في برنامج “سيف” لإعادة التسلح، الذي يهدف إلى تعزيز الدفاع الأوروبي في ضوء الحرب في أوكرانيا ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتذبذبة، بدأت في مايو.
وبعد 6 أشهر، لا يزال الخلاف المالي المال قائماً. وتريد بروكسل ما بين 4.5 و6.5 مليار يورو مقابل مشاركة بريطانيا، وفق ما قاله دبلوماسيان أوروبيان.
ووصف بيتر ريكيتس، الدبلوماسي البريطاني المخضرم، ورئيس لجنة الشؤون الأوروبية في البرلمان، هذا المطلب بأنه “لا يُصدق”.
وقال: “هذا برنامج قروض. الحكومة مستعدة للمساهمة في تكاليف تشغيله. لكن فرض رسم بقيمة 6.5 مليار يورو مبالغ فيه إلى حد يوحي بأن بعض الدول الأعضاء لا تريد وجود بريطانيا في البرنامج”.
وقال مكتب رئيس الوزراء إن ستارمر أبلغ رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين في اتصال هاتفي الأسبوع الماضي بأن “أي اتفاق يجب أن يحقق فوائد ملموسة للرأي العام البريطاني”.
سباق مع الزمن
ومع اقتراب المهل النهائية بشأن إبرام اتفاق، لا تزال الخلافات المالية تعرقل التقدم. فقد حددت الحكومة البريطانية هدفاً يتمثل في تفعيل اتفاق الأغذية الزراعية بحلول عام 2027، كي يبدأ الناخبون بالشعور بفوائده في المتاجر قبل الانتخابات المقبلة.
وبالمثل، إذا لم تُختتم محادثات ربط أنظمة تداول الانبعاثات بحلول نهاية العام، أو إقرار اتفاق مؤقت، فستبدأ الشركات البريطانية تحمل ضرائب الكربون الأوروبية الجديدة اعتباراً من الأول من يناير المقبل. وفي الحالتين، لا بد من حسم مسألة التمويل.
ويأمل كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، في تسوية معظم الملفات قبل القمة البريطانية–الأوروبية العام المقبل، رغم أنه لم يُحدد موعدها بعد.
ويرجح الدبلوماسي الأوروبي الثاني، حدوث “بعض الشد والجذب خلال التفاوض” وربما “بعض الدراما”، معتبراً ذلك جزءاً من “الأسلوب البريطاني في التفاوض”. لكنه يرى أن الآمال ما زالت كبيرة في أن تحقق إعادة ضبط العلاقات نتائج ملموسة.
وأضاف: “لن تكون هناك مفاجآت على الإطلاق. فهم يعرفوننا جيداً، ونحن نعرفهم جيداً”.

