
حسين زلغوط
خاص – “رأي سياسي”:

في خطوة دبلوماسية لافتة تستدعي وقوفاً موسعاً وتحليلاً معمّقاً، يبدو أن لبنان دخل مدار منع الانزلاق إلى حرب بعد تحرّكات متسارعة قادتها جمهورية مصر العربية برئاسة مدير مخابراتها اللواء حسن رشاد، الذي التقى كبار المسؤولين اللبنانيين، حاملا معه أكثر من رسالة سياسية وأمنية. فمصر، التي سبق أن نجحت في رعاية اتفاقات تهدئة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية في غزة، تحاول اليوم أن تستنسخ تجربة مشابهة على الساحة اللبنانية، عبر تثبيت خطوط اتصال غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب، وضمان ضبط الميدان في الجنوب.
ويُقرأ هذا التحرّك في سياق رؤية مصرية تعتبر أن استقرار لبنان جزء من منظومة الأمن العربي، وأن أي تصعيد عسكري معه قد يجرّ المنطقة بأكملها إلى مواجهة مفتوحة لا تُحمد عقباها.
فمهمة الوزير رشاد لم تقتصر على نقل رسائل أو طرح أفكار تهدئة، بل تجاوزتها إلى محاولة بناء إطار سياسي وأمني يضمن الحد الأدنى من الاستقرار في الجنوب اللبناني.
وتقوم الوساطة المصرية، وفق ما تسرّب من أجواء اللقاءات، على مبدأ تثبيت الهدوء ومنع الخروقات العسكرية، بالتوازي مع تنشيط الاتصالات الدولية الرامية إلى تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة.
وتسعى القاهرة من خلال هذا التحرك إلى لعب دور “الوسيط ” الذي يستطيع التواصل مع جميع الأطراف، بما فيها القوى المؤثرة إقليمياً ودولياً، مستفيدة من رصيدها الدبلوماسي الطويل وعلاقاتها المتوازنة.
في المقابل ان المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، أبدوا ترحيباً واضحاً بالمبادرة المصرية، لكنهم في الوقت نفسه تعاملوا معها بحذر واقعي.
فالرئيس بري، المعروف بقراءته المتأنية للتوازنات الداخلية والإقليمية، استبعد اندلاع حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل في المرحلة الراهنة، معتبراً أن كل الأطراف تدرك حجم الكلفة التي قد تترتب على أي مواجهة مفتوحة، وفي المقابل، شدد على ضرورة استثمار الزخم الدبلوماسي الحالي لتثبيت التهدئة، مؤكداً أن “لبنان لا يبحث عن حرب، لكنه أيضاً لا يقبل التفريط بسيادته أو التساهل مع الاعتداءات المتكررة على أراضيه.”
وفي رأي مصادر سياسية أن القاهرة تحاول أن تملأ فراغاً عربياً واضحاً في مقاربة الملف اللبناني، بعد أن انشغلت عواصم عربية أخرى بملفاتها الداخلية أو الإقليمية، لتعيد مصر التأكيد على أن الأمن الإقليمي لا يتحقق إلا من بوابة الاستقرار في لبنان وسوريا وغزة.
وترى هذه المصادر ان القاهرة، بما تملكه من علاقات متوازنة مع معظم الأطراف، تسعى إلى استثمار هذا التوازن لمنع تحول لبنان إلى ساحة تصفية حسابات. وهي بذلك تقدم نفسها كضامن عربي للتهدئة، وقناة يمكن الوثوق بها لدى مختلف القوى الدولية.
لكن السؤال هل تنجح الوساطة؟
ان نجاح المبادرة المصرية سيعتمد على مدى استعداد الأطراف المعنية لمنح المسار الدبلوماسي فرصة حقيقية.
فمن جهة، لا تبدو إسرائيل راغبة في حرب واسعة، لكنها تواصل ضغوطها العسكرية لتحقيق مكاسب ميدانية. ومن جهة أخرى، يدرك لبنان أن أي تصعيد سيضاعف أزماته الاقتصادية والاجتماعية ويهدد ما تبقى من مؤسساته.
بين هذين الحدين، تتحرك القاهرة في مساحة ضيقة لكنها حيوية، محاولةً تحويل الهدوء الهش إلى اتفاق ضمني طويل الأمد يضمن أمن الحدود ويمنح بيروت فسحة لالتقاط أنفاسها.

