حدد تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ودار النشر العلمية “فرونتيرز”، 10 تقنيات وصفها بأنها رائدة يمكن أن تسرع العمل المناخي العالمي، وتسهم في استعادة النظم البيئية، وتعزز الابتكار المستدام ضمن حدود الكوكب الآمنة.
وأفاد التقرير الذي نشر تحت عنوان “10 حلول تكنولوجية ناشئة لصحة الكوكب” بأن هذه التقنيات عبارة عن أدوات علمية قابلة للتوسع يمكنها أن تساعد المجتمعات على العمل بانسجام مع أنظمة الأرض بدلاً من تجاوزها، وأنها تضع خريطة طريق واقعية أمام صانعي السياسات والمبتكرين والمستثمرين لتحقيق نتائج بيئية ملموسة في أسرع وقت ممكن.
ويركز التقرير الذي يعتبر أول إصدار مشترك بين المنتدى الاقتصادي العالمي و”فرونتيرز”، بشكل مباشر على حلول التكنولوجيا التي تتماشى مع حدود الكوكب المعروفة، وهي التي تحدد مدى قدرة الأرض على تحمل الضغوط البشرية دون الانزلاق إلى اضطرابات بيئية كارثية.
وأشار التقرير إلى أن 7 من هذه الحدود جرى تجاوزها بالفعل، ما يجعل البحث عن حلول علمية قابلة للتطبيق أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
وحدد التقرير التقنيات العشر التي اعتبرها واعدة في مواجهة الأزمة البيئية الشاملة، وهي التخمير الدقيق، وإنتاج الأمونيا الخضراء، وإعادة تدوير مخلفات الطعام تلقائيا، والتقاط الميثان واستخدامه، والخرسانة الخضراء، والشحن ثنائي الاتجاه من الجيل الجديد، والرصد الأرضي الفوري والدقيق، والطاقة الحرارية الجوفية المعيارية، والتحلية التجديدية، وتقنيات دمج صحة التربة.
أوضح التقرير أن هذه الابتكارات لا تقتصر على خفض الانبعاثات الكربونية فحسب، بل تمتد لتجديد النظم البيئية وتعزيز مرونة القطاعات الحيوية مثل الغذاء والمياه والطاقة والبنية التحتية.
واعتبر التقرير أن هذه التقنيات تمثل جيلاً جديداً من الحلول التي تربط بين العلم والتطبيق العملي، حتى يمكنها إعادة توجيه مسار التنمية البشرية نحو مستقبل أكثر توازناً مع الطبيعة.
وتعتمد تقنية التخمير الدقيق على استخدام الكائنات الدقيقة مثل الخمائر والبكتيريا في إنتاج البروتينات أو الدهون أو المكونات الغذائية دون الحاجة إلى الزراعة التقليدية أو تربية الحيوانات، وتعتمد هذه التقنية على الهندسة الحيوية الدقيقة التي تمكن من تصميم كائنات دقيقة لإنتاج مركبات محددة بكفاءة عالية، وهو ما يقلل من البصمة الكربونية للقطاع الغذائي ويحد من استخدام الأراضي والمياه.
وتعتبر هذه التقنية ثورة محتملة في إنتاج الغذاء المستدام إذ تسمح بإنتاج اللحوم والألبان النباتية بجودة عالية وبتكلفة بيئية منخفضة.
وبين التقرير أن تقنية إنتاج الأمونيا الخضراء يمثل أحد أهم مفاتيح التحول الطاقي، لأنها تعتمد على استخدام الهيدروجين الأخضر المستخلص من التحليل الكهربائي للماء باستخدام مصادر طاقة متجددة بدلاً من الغاز الطبيعي.
وتستخدم الأمونيا الخضراء ليس فقط كأساس للأسمدة الزراعية النظيفة بل أيضاً كوقود خال من الكربون يمكن تخزينه ونقله بسهولة، وتتيح هذه التقنية إمكانات واسعة لتقليل الانبعاثات من الزراعة والنقل والصناعة الثقيلة.
وتعتمد تقنية إعادة تدوير مخلفات الطعام تلقائيا على الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتحويل بقايا الطعام إلى منتجات ذات قيمة، مثل البروتين الحيواني أو الأسمدة العضوية أو المكونات الغذائية الثانوية.
وتتيح هذه الأنظمة الذكية إعادة إدخال نفايات الغذاء في الدورة الاقتصادية بطريقة فعالة، ما يحد من انبعاثات الميثان الناتجة عن تحللها في مكبات النفايات، ويعزز مفهوم الاقتصاد الدائري في قطاع الأغذية.
وأوضح التقرير أن تقنية التقاط الميثان واستخدامه تمكن من احتجاز غاز الميثان المنبعث من مواقع النفايات أو المزارع أو الحقول النفطية وتحويله إلى طاقة أو مواد كيميائية مفيدة.
ويعد الميثان أحد أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ يمتلك قدرة على حبس الحرارة تفوق ثاني أكسيد الكربون بعشرات المرات، ولذلك فإن السيطرة على انبعاثاته تعد من أسرع الطرق لخفض الاحترار العالمي.
وتستخدم في هذه التقنية وحدات متقدمة من الحساسات وأجهزة التحليل الطيفي والأنظمة التحفيزية لتحويل الميثان إلى ميثانول أو وقود صناعي نظيف.
تقنية الخرسانة الخضراء هي ابتكار حيوي في قطاع البناء، لأنها تقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن صناعة الأسمنت، وهي من أكثر الصناعات تلويثا للبيئة.
وتعتمد الخرسانة الخضراء على استبدال جزء من الأسمنت بمواد أخرى مثل الرماد الطائر أو خبث الحديد أو الكربونات المعاد تدويرها، كما تستخدم تفاعلات كيميائية تمتص الكربون من الجو أثناء عملية التصلب، وتتيح هذه التقنية بناء بنية تحتية أكثر استدامة مع الحفاظ على الصلابة والمتانة المطلوبة.
وأشار التقرير إلى أن تقنية الشحن ثنائي الاتجاه من الجيل الجديد يمكن أن تحدث تحولاً جذرياً في العلاقة بين المركبات الكهربائية وشبكات الطاقة، إذ تسمح للسيارات ليس فقط بشحن بطارياتها من الشبكة، بل أيضاً بإعادة ضخ الطاقة إلى الشبكة عند الحاجة.
وتعمل هذه الأنظمة الذكية على موازنة الأحمال الكهربائية، واستقرار الشبكة، وتمكين استخدام أوسع للطاقة المتجددة، وتفتح هذه التقنية الباب أمام إنشاء شبكات طاقة موزعة ومرنة يمكن للمستهلك أن يكون فيها منتجاً للطاقة في الوقت ذاته.
وأكد التقرير أن تقنية الرصد الأرضي الفوري والدقيق تجمع بين صور الأقمار الصناعية وتقنيات التعلم الآلي لمراقبة المناخ والتنوع البيولوجي في الوقت الحقيقي.
وتتيح هذه الأنظمة الكشف المبكر عن حرائق الغابات، ومعدلات ذوبان الجليد، وتدهور الأراضي الزراعية، والتغيرات في الغطاء النباتي، وتوفر البيانات الناتجة منها دعماً حاسماً لصناع القرار لتوجيه السياسات البيئية والموارد بكفاءة أكبر، ما يجعلها أداة أساسية في إدارة المخاطر البيئية.
وتوفر تقنية الطاقة الحرارية الجوفية المعيارية مصدراً متجدداً للطاقة يمكن نشره بسهولة في مناطق متنوعة من العالم، وتعتمد على تصميم وحدات صغيرة وقابلة للنقل تستخرج منها حرارة الأرض لتوليد الكهرباء أو لتدفئة المباني.
وتتميز هذه التقنية بمرونتها التشغيلية وقلة تأثيرها البيئي مقارنة بمحطات الطاقة التقليدية، كما تتيح استقلالاً طاقيا أكبر للمجتمعات المحلية في المناطق النائية.
تمثل تقنية التحلية التجديدية جيلاً جديداً من أنظمة تحلية المياه التي لا تكتفي بإزالة الأملاح بل تعيد تدوير الطاقة والموارد داخل النظام، وتعتمد على استخدام الطاقة المتجددة والتقنيات الكهروكيميائية لاستعادة المعادن من المياه المالحة وتحويلها إلى مواد صناعية مفيدة، ما يقلل من النفايات الناتجة ويخفض تكاليف التشغيل، وتعد هذه التقنية ضرورية لمواجهة أزمة المياه العالمية وتعزيز الأمن المائي في المناطق القاحلة.
أما تقنية دمج صحة التربة فتمثل ثورة في الزراعة المستدامة، إذ تجمع بين أجهزة الاستشعار الميدانية، والهندسة الميكروبيومية، والذكاء الاصطناعي لمراقبة وتحسين صحة التربة.
وتتيح هذه الأنظمة قياس مستويات المغذيات والرطوبة والكائنات الدقيقة في التربة لحظة بلحظة، وتعمل على تعزيز التنوع الميكروبي الذي يسهم في تثبيت الكربون وتحسين خصوبة الأراضي الزراعية، وتساعد التقنية على بناء نظم غذائية أكثر استدامة ومقاومة للتغيرات المناخية.
وشدد التقرير على أن هذه التقنيات مجتمعة توفر أدوات عملية للحد من الانبعاثات وتجديد الأنظمة البيئية وزيادة قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة الأزمات المناخية.
ولا يكتفي التقرير بعرض هذه التقنيات من منظور علمي، بل يقيم كل منها وفق 3 معايير رئيسية مثل حجم التأثير وقابلية التوسع ومستوى الجاهزية التقنية، ما يمنحه طابعاً تطبيقياً يجعل منه دليلاً عملياً للجهات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء.
وبينّ التقرير أن إطلاق هذه المبادرة جاء نتيجة تعاون طويل الأمد بين المنتدى الاقتصادي العالمي ودار “فرونتيرز”، واستند إلى شبكة الخبراء العالمية التابعة لـ”فرونتيرز” وإلى مجتمع جائزة الكوكب التابعة لها، والتي تضم لجنة تحكيم تضم 100 عالم رائد في مجالات البيئة والاستدامة، ويهدف هذا التعاون إلى تحويل المعرفة العلمية المفتوحة إلى تطبيقات عملية تحدث أثراً مباشراً على الكوكب.
المدير الإداري في المنتدى الاقتصادي العالمي، جيريمي يورجنز، قال إن التحديات المناخية لم تعد غامضة أو بعيدة، بل أصبحت واقعاً ملموساً يحتاج إلى سرعة في الفعل تعادل حجم الأزمة.
وأضاف: “ما هو أقل وضوحاً من الأزمة نفسها هو وجود تقنيات جاهزة يمكن توظيفها بطرق جديدة لتقديم حلول فورية وفعالة، وهذا التقرير يمنح القادة حول العالم الرؤية الاستباقية التي يحتاجونها للتحرك بالسرعة المطلوبة وعلى النطاق الكافي.”
وقال مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ ورئيس لجنة التحكيم لجائزة الكوكب التابعة لـ”فرونتيرز”، يوهان روكستروم، إن العالم لا يستطيع الاعتماد على تقنية واحدة لحل الأزمة البيئية، بل يحتاج إلى مزيج من الابتكارات القادرة على تحويل الاقتصادات لتعمل ضمن “المجال الآمن” لكوكب الأرض.
وأوضح أن هذه التقنيات تمثل أدوات جديدة لتسريع التحول في مجالات الطاقة النظيفة وكفاءة الموارد والمواد المستدامة والزراعة وإعادة تأهيل النظم البيئية.
وأكد رئيس التحرير التنفيذي في دورية “فرونتيرز”، فريدريك فنتر، أن العلم المفتوح والتعاون بين القطاعات هما السبيل لتحويل الابتكار إلى تأثير حقيقي، مشيراً إلى أن التقرير يظهر بوضوح أنه لا توجد “رصاصة سحرية” واحدة قادرة على حل الأزمة، لكن حين تتكامل هذه التقنيات معاً يمكنها أن تغير مسار الكوكب نحو صحة بيئية أفضل ومستقبل أكثر استدامة للجميع.
واعتبر التقرير أن التحدي الأكبر أمام البشرية حالياً لا يكمن في غياب الحلول، بل في بطء تبنيها، ودعا إلى تسريع الاستثمار في هذه الابتكارات الواعدة وتفعيل الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع العلمي لتحويل المعرفة إلى تطبيقات عملية، مؤكداً أن الطريق نحو مستقبل صحي للكوكب لا يمر عبر النوايا، بل عبر التكنولوجيا والعلم والجرأة في التنفيذ.
